طانطان، المدينة الصحراوية الهادئة التي تحتضنها رمال الجنوب المغربي، تتزين في النصف الثاني من شهر رمضان الفضيل بألوان الروحانية والتقوى، حيث يتجدد الأمل في قلوب أهلها مع اقتراب العشر الأواخر وليلة القدر المباركة. في هذا الوقت من الشهر الكريم، يتسارع إيقاع الحياة اليومية ليمتزج العمل الجاد مع العبادة العميقة، في مشهد يعكس هوية المدينة الأصيلة.
شوارع تعانق السكينة
عندما تجولت في شوارع طانطان بعد صلاة العصر، لاحظت أن الهدوء يعم الأزقة، بينما تتسلل رائحة الخبز التقليدي من البيوت استعدادًا للإفطار. الأسواق الصغيرة، التي كانت صباحًا تعج بالحركةعلى مستوى شوارع المختار السوسي محمد الخامس ، بدأت تتحول إلى فضاءات لتبادل التهاني والدعوات بين الجيران والتجار. “رمضان هنا مختلف، يحمل طعم الصحراء ودفء القلوب “، يقول الحاج محمد، بائع التمور الذي التقيته قرب سوق الحي الشعبي، وهو يرتب بضاعته بعناية لاستقبال الزبائن قبل أذان المغرب.
موائد الإفطار: بساطة وكرم
مع اقتراب غروب الشمس، تتحول الساحات والبيوت إلى موائد إفطار متواضعة لكنها غنية بالمعاني. التمر والحليب و سمك السردين يتربعان على عرش المائدة، يرافقهما “السفوف” و”الحريرة” التي تحكي قصص الجدات. في إحدى الزوايا، التقت عيناي بمجموعة من الشباب يوزعون وجبات الإفطار على المارة بشارع الحسن الثاني ، مبادرة شبابية تتكرر سنويًا بهدوء لإحياء روح التكافل. “نريد أن نزرع البسمة في وجوه الجميع، خصوصًا في هذه الأيام المباركة”، يشرح عبد الرحيم، أحد المتطوعين، وهو يحمل صينية مملوءة بالطعام.
ليالي القيام وليلة القدر
مع حلول الليل، تنبض المساجد بحياة جديدة. صلاة التراويح في النصف الثاني من رمضان تأخذ طابعًا خاصًا في طانطان، حيث يحرص الكبار والصغار على الحضور، وتتعانق الأصوات في تلاوة القرآن الكريم. “في هذه الليالي، نشعر بقربنا من الله أكثر”، تقول أمينة، سيدة في الأربعينيات، وهي تخرج من مسجد حي القدس حاملة مصحفها. ومع اقتراب العشر الأواخر، يزداد الحماس لتحري ليلة القدر، فترى البعض يعتكف في المساجد، وآخرون يختارون الدعاء تحت سماء الصحراء الصافية، حيث النجوم شاهدة على خشوعهم.
عادات متجذرة وأمل متجدد
في طانطان، لا يقتصر رمضان على الصيام والصلاة، بل يمتد إلى عادات متوارثة تضفي على الشهر نكهة خاصة. منها “القفة الرمضانية” التي يتبادلها الأهالي مع الفقراء، وجلسات السمر بعد التراويح حيث يتشاركون القصص والذكريات. “رمضان يعلمنا الصبر والمحبة”، يقول العم محمد لمين ، وهو يحتسي شاي الصحراء مع أصدقائه تحت ضوء القمر بشاطئ الوطية .
مع انقضاء النصف الأول من رمضان، تحتضن طانطان النصف الثاني بنفس متجدد وروح متوقدة. المدينة التي تقاوم قسوة الصحراء وغلاء المعيشة الغير المسبوق بالصبر والإيمان، تجد في هذا الشهر الفضيل فرصة لتعزيز أواصرها الاجتماعية والروحية، تاركة في النفوس أثرًا عميقًا يمتد إلى ما بعد عيد الفطر. ففي طانطان، رمضان ليس مجرد شهر، بل هو حالة تعيشها القلوب والأرواح.