في حادثة غير مسبوقة تمثل انتهاكاً صارخاً للأعراف الديمقراطية والأخلاقيات السياسية، أقدم محمد الناجم، والي جهة كلميم وادنون، على اعتداء جسدي وإهانة علنية بحق مباركة بوعيدة، رئيسة الجهة، خلال الدورة العادية لمجلس الجهة صباح الاثنين الماضي. هذا التصرف المشين يعكس استهتاراً واضحاً بمبادئ العمل المؤسساتي وتجاوزاً غير مقبول لحدود السلطة المخولة له.
شهود عيان أكدوا أن الوالي تعمد وخز الرئيسة أثناء ردها على مداخلات أعضاء المجلس، في سلوك وصف بـ”المهين واللامهني”، مما استدعى تدخل بعض الحاضرين لاحتواء الموقف. مصادر مقربة من بوعيدة اعتبرت هذا الفعل “استخفافاً بمنصبها وكرامتها، وتجاوزاً خطيراً للحدود المهنية”.
هذا الاعتداء السافر يفضح ترهلاً في الأحزاب المشكِّلة للأغلبية وضعفاً في آليات الضبط الداخلي، خاصة أن بوعيدة تنتمي إلى حزب “التجمع الوطني للأحرار”، الذي ينتمي إليه أيضاً رئيس الحكومة عزيز أخنوش، والناطق الرسمي باسم الحكومة، مصطفى بايتاس. هذا التواطؤ يثير تساؤلات حول مكانة بوعيدة داخل حزبها ومدى دعم قيادته لها في مواجهة هذا التغول السلطوي.
ورغم خطورة الواقعة، لم يصدر أي بيان رسمي من حزب “التجمع الوطني للأحرار” أو من الحكومة لإدانة هذا التصرف الشنيع، ما يثير الريبة حول تواطؤ محتمل وصمت غير مبرر. في المقابل، تعالت أصوات النشطاء والمنظمات الحقوقية على منصات التواصل الاجتماعي مطالبة بمحاسبة الوالي، معتبرة أن الاعتداء “ينتهك مبادئ المساواة ويكرس ثقافة الإفلات من العقاب”. مكتب الوالي التزم الصمت، في موقف يعكس اختلالات جسيمة في موازين القوى المحلية.
هذه الواقعة المشينة تفتح الباب أمام نقاش أوسع حول واقع المرأة في المناصب القيادية بالمغرب، خاصة في المناطق التي تهيمن فيها العقلية الذكورية، وتلقي الضوء على ثقافة التعامل داخل المؤسسات التمثيلية، حيث تتحول الخلافات السياسية إلى صراعات شخصية. صمت الأحزاب الكبرى عن مثل هذه الأحداث يعمق أزمة الثقة في العمل السياسي، ويضعف شرعية المؤسسات أمام المواطنين.
في وقت تؤكد فيه بلادنا التزامها ونحن على مشارف تخليد اليوم الأممي للمرأة بالنهوض بمنظومة حقوقها وتمكينها السياسي، تأتي حادثة كلميم وادنون لتختبر جدية هذه التوجهات، خاصة مع تصاعد المطالبات بمحاسبة الفاعلين ووضع حد لـ”الاستثناءات” التي تهدر هيبة الدولة وتعيق تحقيق التنمية الشاملة.


