في عمق الصحراء المغربية، حيث تلتقي السماء الصافية بالرمال الذهبية الممتدة، يكتسب شهر رمضان المبارك بُعدًا خاصًّا يجمع بين الروحانيات العميقة وعبق التراث المحلي. فمع حلول الهلال، تتحول المداشر والقرى الصحراوية إلى فضاءات للعبادة والتآزر المجتمعي، حيث تُنسج حكايات الصيام والقيام بلغةٍ تنفرد بها هذه الربوع.
تبدأ الاستعدادات الرمضانية قبل أيام من قدوم الشهر الكريم، إذ تُعلن الأسر عن فرحتها بتنظيف المنازل وتهيئة “الخيم الرمضانية” التقليدية التي تُزيّن بالأقمشة الملونة، بينما تتزاحم الأسواق المحلية لشراء المواد الأساسية كالتمور والحبوب، التي تشكل أساس المائدة الصحراوية البسيطة والمغذية. ولا تخلو الموائد من أطباقٍ مثل “الكسكس الخماسي” و”الحساء الصحراوية”، التي تُحضّر بطرقٍ توارثتها الأجيال، وتعكس مهارة المرأة الصحراوية في تحويل المكونات البسيطة إلى وجباتٍ لذيذة.
خلال ساعات النهار، يسيطر هدوءٌ مدهشا على الصحراء، حيث يلتزم الصائمون بالعبادة والقرآن، بينما تُسمع في الأفق أصوات الأذان المتكررة من المساجد الصغيرة المبنية من الطين، والتي تتناغم مع حفيف الرياح العابرة. أما مع غروب الشمس، فيتحول الإفطار إلى مناسبةٍ جماعية، حيث يجتمع الأهل والجيران حول مائدة واحدة، في مظهرٍ يعكس قيم التضامن التي تُجسّدها الثقافة الصحراوية.
ليالي رمضان هنا ليست كأي ليلة، فبعد صلاة التراويح، تُنظم تجمعات صلة الرحم ، تُحييها أصوات لعبة ” السيك” ، بينما تُروى حكايا الأجداد عن كرم الصحراء وصبرها. كما تُخصَّص ساعات الفجر لـ”السحور الجماعي”، حيث يتشارك الشباب في إعداد الشاي والوجبات الخفيفة، وسط سباق على ختام القرآن الكريم مع همسات الدعاء .
وفي هذا الشهر، تبرز مظاهر الكرم بشكلٍ لافت، إذ تُفتح خزائن البيوت أمام المسافرين وعابري السبيل، في تقاليد تعكس طقوس المعروف . كما تُوزع الصدقات على نطاق واسع، خاصةً عبر مبادرات شيوخ القبائل التي تهدف إلى الوصول إلى الأسر المتعففة في عمق الاحياء الشعبية .
شهر رمضان في الصحراء المغربية ليس مجرد طقسٍ ديني، بل هو لوحةٌ إنسانية ترسمها الرمال بحروف من نور، حيث تتعانق العبادة مع الطبيعة، والفرح الروحي مع تراب الأرض، لتذكير الدنيا بأن البركة قد تُختزل في بساطة العيش وإخلاص القلب.