في الجنوب المغربي، حيث الطرق المعبدة الجيدة يبدأ عالم السحر الصحراوي، يتربّع إقليم طانطان كجوهرة خفية تنتظر من يكتشفها. ليس مجرد نقطة عبور نحو الصحراء الكبرى، بل فضاءٌ تتناغم فيه ثقافة الرحل مع إبداعات الطبيعة، وتاريخٌ إنساني عريق ينبض تحت أشعة شمس دافئة.
السياحة: بين عبقرية الطبيعة ومغامرة الاستكشاف
إذا كنت تبحث عن وجهة سياحية بعيدة عن الزحام، فطانطان تُقدّم لك باقة متنوعة: من سواحل ممتدة مُفعمة بالهدوء مثل “بلاج بلانش” التي تُعتبر من أجمل الشواطئ البكر في المغرب، إلى ممشى الكثبان الرملية الذهبية التي تبدو كلوحة فنية مرسومة بأنامل الرياح. هنا، يمكنك خوض تجربة “السفاري الصحراوي” عبر رحلات 4×4، أو ركوب الجمال مع قبائل مُحافِظة على تقاليدها المتنقلة منذ قرون.
ولا تفوت زيارة ” مصب واد درعة “، حيث تلتقي مياه المحيط بمصب النهر، مُشكّلة نظامًا إيكولوجيًا فريدًا يجتذب هواة مراقبة الطيور المهاجرة. أما عشّاق الرياضات المائية، فموجات المحيط هنا تُعدّ تحديًا مثاليًا للتزلج على الأمواج.
الموسم الثقافي: احتفالية تراثية تحتفي بالإنسان والصحراء
تُختزل روح طانطان في “موسم الطنطان “، التظاهرة الثقافية الأبرز في الجنوب المغربي، والتي أدرجتها اليونسكو عام 2008 كتراث إنساني لامادي. هذا المهرجان السنوي -الذي يعود تاريخه إلى عقود- ليس مجرد عرض فولكلوري، بل حوارٌ بين الماضي والحاضر: تُسمع فيه قصائد الشعر الحساني التي تحمل حكمة البدو، وترقص الفرق التقليدية على إيقاعات “الڭَدرة “، بينما تُقام سباقات الهجن التي تُجسّد رمزية الصبر والتعايش مع البيئة القاسية.
وفي تصريح لأحد أبناء المنطقة، من منظمي الموسم: “هذا الاحتفال هو ذاكرة حية، ننقل فيها للأجيال الجديدة كيف كان أجدادنا يصنعون الحياة في طبيعة صحراوية ملهمة “.
الفنون والحرف: إبداعات تروي حكايات الرحل
لا تكتمل زيارة طانطان دون التمتّع بحرفها التقليدية التي تحمل بصمة قبائل “الرڭيبات” و”أوس الانصار “و ” يكوت ” و ‘ أيت لحسن ‘ .. في الأسواق المحلية، تُعلّق السجادات المنسوجة يدويًا، والتي تحمل رسومًا هندسية تعكس رموزًا قبلية، إلى جانب الحلي الفضية المطعّمة بالحجارة التي تُزيّنها نقوشٌ مستلهمة من الطبيعة الصحراوية.
أما فن الطهي هنا، فهو رحلة تذوقية تبدأ من “الكسكس و الارز بلحوم الابل ” وتنتهي بـجلسة ( الشاي المُركّز)، يُقدَّم باحتفالية تعكس كرم الصحراء.
آثار ما قبل التاريخ: متحف مفتوح تحت السماء
يُدهش الزائر بأن هذا الإقليم كان مهدًا لحضارات قديمة، حيث تُوثّق النقوش الصخرية حياة الإنسان منذ آلاف السنين، برسومٍ لحيوانات وأساليب صيد تعود إلى العصر الحجري.
هذه المواقع الأثرية تضم العربة الرمانية المرسومة و المنحوتة و نجمة داود ، التي ما زالت تُدرس من قبل بعثات دولية، تُثبت أن طانطان كانت دومًا ملتقى للثقافات.
تحديات الحاضر ورهانات المستقبل
رغم غنى الإقليم، إلا أن تنميته السياحية تواجه تحديات، أهمها البنية التحتية المحدودة وقلة الترويج مقارنة بوجهات مغربية أخرى. لكن مبادرات محلية تدعمها المؤسسات الصحفية بدأت تُعزّز السياحة الثقافية والبيئية، مثل مشروع “السياحة القروية” الذي يستضيف السكان فيها الزوار.
كما أشارت السيدة جمعية لكطيطي رئيسة “جمعية تغراوين بالمعايل ” التي تهتم بتراث الصحراء، لـ”الصحراء نيوز”: “هدفنا ألا تكون السياحة مجرد زيارة خاطفة ، بل وجهة استضافة رسمية تقدم منتوجا ترفيهيا جيدا يصنع حوارًا حقيقيًا بين الزائر وموروثنا”.
و اضافت أن المطلوب من السلطة الإقليمية الإصلاحية الجديدة دعم المنتجعات السياحية في العالم القروي, و بناء خريطة طريق من اجل بناء سياحة تدعم الأنشطة الحرفية و الاقتصادية ، و استغلال هذه الطبيعة الخلابة لتدشين صناعة سينمائية من خلال توفير فضاءات لتصوير الافلام الدولية و الوطنية الكبرى بإقليم طانطان .
طانطان إذن ليست مجرد رمال ومحيط، بل هي متحفٌ حي للهوية الصحراوية، حيث يُمكنك سماع همس التاريخ في كل زاوية، وتذوّق كرم الضيافة الذي يجعلك تعود مرارًا. وجهةٌ تثبت أن الجمال الحقيقي لا يُعلَن عن نفسه بصخب، بل ينتظر من يُحسن الاستماع إليه.