هل يعقل أن يظل شخصٌ يترأس “لجنة الصداقة المغربية-الفلسطينية” في البرلمان، وهو الذي وصف الكوفية الفلسطينية – رمز النضال والتضحيات – بـ”الشرويطة” في سابقة استفزازية؟ وهل يُعقل أن ينتمي هذا الشخص لحزب رئيس الحكومة، بينما يُتابع في قضايا تبديد المال العام، دون أن يُحرك ساكناً تجاه مجازر غزة التي دخلت شهرها الخامس عشر؟ السؤال ليس عن فردٍ فحسب، بل عن نظامٍ يسمح بتحويل القضايا الوطنية إلى ديكورات باهتة.
الكوفية الفلسطينية ليست مجرد غطاء رأس، بل هي رمزٌ للكرامة والمقاومة. تحويلها إلى “شرويطة” – بتعبيرٍ يقلل من قيمتها – ليس خطأً عابراً، بل دليلاً على انفصال النخبة عن نبض الشارع وقضاياه المصيرية. لكن الأخطر هو أن صاحب هذا التصريح، والمتابع في تهمٍ مالية خطيرة، لا يزال يجلس على كرسي لجنةٍ يفترض أنها جسرٌ للتضامن مع فلسطين. فأين المبادرات؟ أين البيانات؟ أين الضغط البرلماني؟ الصمت يُجيب!
منذ أكتوبر 2023، والعدو الإسرائيلي يذبح الأطفال ويُهدم المنازل ويُحاصر غزة، لكن رئيس اللجنة – المنتمي لحزب الأغلبية الحاكمة – يبدو مشغولاً بقضاياه الشخصية أو بصمته المُريب. حتى الحملات الشعبية البسيطة تفوقت على “لجنة الصداقة” التي تحولت إلى واجهة فارغة. السؤال الأكثر إحراجاً: كيف يُسمح لشخصٍ يُتابع قضائياً بالبقاء في منصبٍ حساس، بينما يُطالب المواطن العادي بالشفافية والنزاهة؟
المفارقة المؤلمة أن هذا الصمت يتزامن مع تصاعد التقارب المغربي-الإسرائيلي، مما يطرح تساؤلاتٍ عن دور “لجنة الصداقة” الحقيقي: هل هي أداةٌ للضغط أم غطاءٌ للتواطؤ؟ الشارع المغربي، الذي خرج عشرات المرات تضامناً مع غزة، يُدرك جيداً أن دماء الفلسطينيين لا تُقاس بخطاباتٍ دبلوماسية جوفاء. لكن يبدو أن بعض النخبة تعيش في عالمٍ موازٍ، حيث الأولوية هي الحفاظ على المناصب، لا الحفاظ على المبادئ.
اليوم، العار ليس في شخصٍ قلل من رمزية الكوفية، بل في نظامٍ يسمح بتحويل القضية الفلسطينية إلى ورقة مساومة، ويترك ملفها في يد من تورطوا في قضايا فساد. العار هو أن تُصبح “لجنة الصداقة” عنواناً للخيبة، بينما الأطفال الفلسطينيون يُذبحون على الهواء مباشرة.
حان الوقت لمساءلة كل من تاجر بدماء الأبرياء وصمت عن الجرائم، سواءً كان في البرلمان أو خارجه. نخب تعاني من انفصام الشخصية لتجنب ربط المسؤولية بالمحاسبة، على حساب الأمة المغربية وقضاياها الوطنية والإسلامية! فالشعب المغربي، الذي ضحى بالغالي والنفيس من أجل القضية الفلسطينية، يستحق ممثلين يُشرفون بمواقفهم، لا يُخجلونها بتهافتهم.