رؤية تحليلية من إعداد رضوان جخا باحث في الدراسات السياسية ،ناشط شبابي ومدوّن مغربي :
إنَّ أوّلَ مُؤَشّر يُمْكن مُلاحظته بعد نتائج الانتخابات الفرنسية هو الإنقسام الواضح والحدث الاستثنائي الذي أظهرتُه الخريطة السياسية الفرنسية، ممّا قد يعصفُ بتشكيل الحكومة الجديدة، بل قد يَنتُجُ عنه جمود سياسي،نظرا لغياب الأغلبية المطلقة من جهة أولى، والتباعد الأيديولوجي بين أقطابها من جهة ثانية، وعدم تلاقح الرؤى والأهداف والبرنامج بين القوى الثلاث الكبرى؛ الوسط، اليمين المتطرف، اليسار من جهة ثالثة، فالإنتخابات الفرنسية شهدت مفاجآت كبيرة ببزوغ جديد ومفاجئ لتيار اليسار عبر الجبهة الشعبية الجديدة التي فازت بالانتخابات التشريعية في فرنسا ب182 مقعدا في البرلمان الفرنسي بزعامة جون لوك ميلونشون زعيم فرنسا الأبيّة أحد أهم مكونات تحالف اليسار، تجذر الإشارة إلى أنّ ميلونشون من مواليد مدينة طنجة ، تلا حزبه حزب التجمع الوطني ” اليمين المتطرف” التي كانت التّوقعات تشير إلى فوزه لكنّه حصل فقط على 162 مقعدا بزعامة ماري لوبين.
المؤشر الثاني الذي نَسْتشفّه من هذه الانتخابات هو الأرقام القياسية في نسب التصويت، حيث وسجل هذا الاقتراع نسبة مشاركة تاريخية تقدر بـ %67,5, ما يؤكّد أهمية هذه المرحلة وجسامة المحطة السياسية لدى الفرنسيين،كما أنّ هذه المفاجأة في جولتها الثانية لها أكثر من دلالة وتفسير.
المؤشر الثالث الذي أُلاحِظه كذلك مِن وجهة نظري المتواضعة هو أنّه بالرغم من المفاجآت التي أسفَرَتْ عنْها إنتخابات البرلمان الأوروبي بِصُعود قِوى اليمين المتطرف في عديد من الدول على غرار إيطاليا، اليونان، هولندا، فرنسا ،ألمانيا… إلاّ أنّ الشعوب الأوروبية على مستوى نظرتها للسياسة الداخلية فمازالت على ما يبدو تَتشبّتُ بخلق ذلك التوازن بين كُتل الوسط، اليمين مع بداية عودة وتشكّل تمَظهُرات اليسار بِشكل أقْوى، وهذا ما يَتّضحُ في بريطانيا بعودة حزب العمال البريطاني بأغلبية ساحقة في برلمان إنجلترا منذ غياب طويل، حيثُ حصل على ما يَقرب من ثلثي المقاعد في مجلس العموم، دون نِسيان الحزب الاشتراكي بقيادة بيدرو سانشيز بإسبانيا،وهو نفس الأمر الذي لاحظناه في فرنسا مع حزب فرنسا الأبية.
إذا عدنا إلى موقع المملكة المغربية ومدى تأثُرها بنتائج الانتخابات الفرنسية أعتقد بأنّ المغرب ذكي جدا في تعامله مع كافة القوى والتكتلات الثلاث؛ وسط، يمين ويسار، حيث تجمعه علاقات طبيعية ومتوازنة معها جميعا، ما يعني بأنّ المغرب وضع المحددات الإستراتيجية والخطوط العريضة لأي شراكة إستراتيجية مع أي قطب دولي، وهي المُحددات التي وضعها الخطاب الملكي الإستراتيجي لذكرى ثورة الملك والشعب “الصحراء هي النظارة التي ينظر بها المغرب إلى صدق الشراكات ونجاعتها”، كما أنّ الدولة الفرنسية فَهِمَت ذلك من خلال بدء الحوار الإستراتيجي بين البلدين من خلال الزيارات المتبادلة بين وزير خارجيتي البلدين، كما لا ننسى بأنّ فرنسا بمختلف تياراتها تعرف جيدا مكانة المغرب قاريا ،وتجمعها شراكة تجارية متينة، تبادل تجاري يُناهِز 14 مليار يورو جَعلتْها في المقدمة لفترات طويلة قبل أنْ تَحتَلّ المركز الثاني، بعد تصاعد الشراكة الإستراتيجية المغربية_الإسبانية المُتمَيّزة إسبانيا ،شراكة تجارية تقارب 20 مليار يورو.
إنّ الدولة الفرنسية وهناك أُركّز على مصطلح “الدولة” بِمعنى أنّ الشراكات الإستراتيجية لا تتغير بمجرد تغيّر الأقطاب المُدبّرة للحكومات، نعم يُمكن أنْ تعرف شدّا وجذبا لكن من الصعب أن تقف أو تندثِر إلا في حالات نادرة على رؤوس الأصابع ، وهذا ما أكّدته العلاقات المغربية _الفرنسية في الفترة السابقة، كما أَنَّ مصطلح الدولة يوحي بِكَونِ أيّ دولة لها أمور إستراتيجية كبرى من الصعب جدا أنْ تتغير بمجرد تَغيّر التيارات والتلاوين السياسية بحكوماتها، وأبرز مثال على ذلك هو العلاقات المغربية _الأمريكية وموقفها التاريخي من قضية الصحراء المغربية، حيث ذهب العديد من أعداء الوحدة الترابية بمجرد خسارة الحزب الجمهوري للإنتخابات بأنه سَيَتْبعُهُ تَغيُّر في الموقف الأمريكي، إلاّ أنّ تحليلهم كان مجرد أضغاط أحلام ، لأنه موقف دولة استراتيجي وليس مَوقف حكومات فقط ،لِذلك شهدنا دينامية العلاقات أكثر تَطوّرا مع الحزب الديمقراطي الذي سارَ على نفس نهج الحزب الجمهوري في مايخص قضية الصحراء المغربية ، لا ننسى أيضا بأنّ فرنسا كان لها مواقف جيدة اتّجاه قضايا المغرب الإستراتيجية عندما كان الرئيس الاشتراكي فرانسوا هولاند رئيسا للجمهورية الفرنسية.
لا نَنسى كذلك بِأَنّ فرنسا على مستوى سياستها الخارجية لأفريقيا قد شهدت خسائر فادحة خصوصا في بلدان الساحل على غرار دول مالي، بوركينا فاسو والنيجر التي شكلت كتلة جديدة وانسحبت من الإكواس، لذلك ففرنسا أعتقد بأنها سَتُبلور تصورا جديدا في تعاملها مع القارة الأفريقية حتى لا تخسر أقطابا جديدة ،خصوصا القوى الإقليمية على غرار المملكة المغربية.
خِتاما من وجهة نظري المتواضعة فالعلاقات المغربية_الفرنسية بعد النتائج التشريعية لهذا البلد الجار والصديق الإستراتيجي ستتطور، فَحِكمة الدبلوماسية الملكية بقيادة جلالة الملك محمد السادس مع دبلوماسية الوضوح والطموح وتعدد الشراكات مع الأقطاب الدولية ،ألمانيا ،إسبانيا ،إيطاليا، أمريكا، بريطانيا، البرتغال… دون نسيان الرّيادة القارية للمملكة المغربية بفضل الأوراش الملكية الإستراتيجية ؛أنبوب الغاز الإفريقي_ الأطلسي المغرب_نيجيريا ،المبادرة الملكية لتعزيز ولوج بلدان الساحل إلى المحيط الأطلسي ،الرّيادة المغربية_ الأمنية دوليا لمكافحة الإرهاب والتطرف ، الرّيادة المغربية على مستوى التصدي للهجرة غير الشرعية، الرّيادة الإبتكارية_ المغربية في مجالا المناخ، الطاقات المتجددة …. وغيرها الكثير ستجعل فرنسا سواء صَعَد يمينها أو يسارها بتطوير شراكتها مع القوة الإقليمية المغرب لتصل لِدرجة شراكة استراتيجية .