شهدت مدينتا كلميم وطانطان، على غرار عدة مدن مغربية، موجة احتجاجات شبابية قادها ما يُعرف بـ”جيل زد”، رفع خلالها المتظاهرون شعارات تطالب بتحسين الخدمات الأساسية، وتحقيق العدالة الاجتماعية، وربط المسؤولية بالمحاسبة.
مواجهات واعتقالات
ليلة الاحتجاج الأولى بجهة كلميم وادنون عرفت مواجهات متفرقة بين متظاهرين والقوات العمومية، استُعملت فيها الحجارة، وانتهت باعتقال نحو 45 شاباً أغلبهم في مقتبل العمر.
وتمركزت المواجهات بمدينة كلميم على طول شارع محمد السادس لتمتد إلى شارع الجديد وحي تيرت، بينما شهدت طانطان صدامات عقب تفريق مظاهرة سلمية بساحة النافورة قرب مسجد الغابة، لتنتقل إلى الحي الجديد وأمام ثانوية الشهيد الزرقطوني.
أوضاع اجتماعية متردية
مقاطع فيديو تداولها المحتجون على شبكات التواصل الاجتماعي أظهرت تدهور الأوضاع المعيشية والاجتماعية والصحية بالأقاليم الجنوبية، مستدلين بحالات إنسانية مأساوية، أبرزها وفاة امرأة نُقلت من طانطان إلى مستشفى أكادير للولادة دون أن تجد الرعاية اللازمة.
موقف الحقوقيين
من جهتها، أعلنت تنسيقية الزيارة الملكية للحقوق الاجتماعية والصحية بطانطان مشاركتها في مختلف الوقفات السلمية، معتبرة أن الحراك الشعبي فضح “الأكاذيب والتماطل” الصادر عن السلطات الترابية والإقليمية والجهوية والوطنية في معالجة القضايا الحقيقية للمواطنين.
وانتقدت التنسيقية صرف أموال ضخمة على مهرجانات كـ”موسم طانطان” و”مهرجان الوطية” و”جائزة وادنون للصحافة”، في وقت يعاني فيه المرضى من غياب الأدوية والرعاية الصحية وحتى أبسط الضروريات. وهو ما دفع المحتجين لرفع شعار: “الشعب يريد إسقاط الفساد”.
اتهامات للمنتخبين
التنسيقية اتهمت المنتخبين والبرلمانيين المستفيدين من “تزوير انتخابات 8 شتنبر” بالتخلي عن المواطنين وتركهم يواجهون مصيرهم في ظل فراغ سياسي واحتقان اجتماعي. كما طالبت بهدم قاعة حفلات وحوش شيدهما نائب برلماني فوق عقار مخصص لبناء مستوصف ومنتزه.
نداء الصحافة المستقلة
في السياق نفسه، دعا اتحاد المقاولات الصحفية بجهات الصحراء الثلاث رجال الإعلام إلى تغطية الاحتجاجات بمهنية عالية ونقل معاناة السكان بعيداً عن “المرتزقة واللوبيات”، معلناً تضامنه مع الصحفي محمد اليوسفي الذي قال إنه يتعرض للتحريض والاعتقال المتكرر.
جذور الأزمة
المحتجون يؤكدون أن الوضع الصحي بطانطان ظل متأزماً لعقود بسبب سياسة “فرق تسد”، واتهامات بتجنيد محسوبين على المجتمع المدني لإضعاف الحراك، إلى جانب التخوين الموجه للصحافة المستقلة.
وتشير تقارير محلية إلى أن الإقليم يسجل أعلى معدلات الفقر والبطالة والهجرة السرية، فضلاً عن التلوث الناتج عن حرق النفايات والمناورات العسكرية، في ظل تقاعس السلطات عن فرض شروط بيئية على المعامل الملوثة.
لوبيات وهيمنة
يُتهم المنتخبون في طانطان باحتكار القطاعات الاقتصادية المدرة للدخل، من مقالع الأحجار والعقار إلى الفنادق والشقق المفروشة، مستفيدين من تراخيص وحماية السلطات. كما يُتهمون بالسطو على الوظائف الإدارية والصحية والبرامج الاجتماعية، واستغلال النساء العاملات في المعامل سياسياً خلال الانتخابات، فضلاً عن شبهات تورطهم في التهريب والهجرة السرية.
بين الصحافة والسلطة
يستحضر الشارع المحلي قضية الصحفي أوس رشيد الذي حوكم بغرامة مالية ثقيلة بعد كشفه خروقات في مجال العقار، في حين يظل “ناهبو المال العام بعيدين عن المحاسبة”.
وقال ناشطون محليون إن “الأجهزة الأمنية تواجه المجتمع، بينما لوبيات الفساد تختفي عن الأنظار وتراقب الوضع عن بعد”، معتبرين ذلك “أخطر مؤامرة على مستقبل المنطقة”.


