في مشهد يمزج بين الصمود والألم، أدى أهالي قطاع غزة صلاة عيد الفطر المبارك صباح اليوم الأحد 30 مارس 2025 وسط ركام المنازل المدمرة في مخيم جباليا شمال القطاع، حيث حولت الحرب الإسرائيلية المستمرة منذ أكثر من عام أحياءهم إلى أطلال. لم تمنع الأنقاض والدمار السكان من الخروج لأداء الصلاة في ساحات مفتوحة بين بقايا البيوت التي كانت يومًا ملاذهم، معبّرين عن إصرارهم على الحياة رغم المعاناة الهائلة التي خلفتها حرب الإبادة الإسرائيلية. في جباليا، التي تعرضت لقصف عنيف دمر معظم بنيتها التحتية، وقف المصلون بين الجدران المنهارة والشوارع المحطمة، رافعين التكبيرات في تحدٍ صامت للاحتلال الذي سلب منهم كل شيء إلا إيمانهم وتمسكهم بأرضهم.
منذ 7 أكتوبر 2023، تشن إسرائيل بدعم أمريكي حربًا مدمرة على غزة، أودت بحياة وجرح أكثر من 164 ألف فلسطيني، معظمهم أطفال ونساء، وتركت 14 ألف مفقود تحت الأنقاض، وفق أرقام فلسطينية رسمية. في جباليا، التي كانت واحدة من أكثر المناطق تضررًا، لم يبقَ حي دون أن يطاله القصف، حيث تحولت المدارس والمستشفيات والمساجد إلى أهداف عسكرية، تاركة السكان بلا مأوى أو ملجأ. ورغم ذلك، اختار الأهالي إقامة صلاة العيد في هذه الساحات المدمرة، في رسالة واضحة مفادها أن الحياة مستمرة حتى وسط الخراب. الأطفال، الذين فقدوا آباءهم وأمهاتهم أو منازلهم، وقفوا إلى جانب الكبار، يشاركونهم التكبير والدعاء، فيما علت أصوات النساء بالتهليل رغم دموع الحزن على أحبائهم الذين رحلوا.
الحصار المفروض على غزة منذ 18 عامًا تفاقم مع إغلاق إسرائيل للمعابر أمام المساعدات الإنسانية، ما دفع القطاع إلى أولى مراحل المجاعة، حيث بات 1.5 مليون من سكانه البالغ عددهم 2.4 مليون نسمة بلا مأوى. في جباليا، حيث كانت الكثافة السكانية عالية قبل الحرب، لم يعد للأهالي سوى الخيام البالية أو الملاجئ المؤقتة التي لا تقيهم البرد أو الحر. ومع ذلك، لم يفقدوا إرادتهم في إحياء شعائر العيد، حيث تزين بعضهم بالملابس المتواضعة التي استطاعوا الحصول عليها، وحاولوا إدخال البهجة على أطفالهم رغم شح الموارد. وسط هذا الواقع القاسي، بدت صلاة العيد كمنارة أمل تنير ظلام المعاناة، حيث دعا المصلون في صلواتهم بأن يرفع الله عنهم البلاء وينصرهم على عدوهم.
الصلاة في جباليا تحولت إلى فعل مقاومة يعكس عزيمة شعب رفض الانكسار، وبينما كان الركام يحيط بالمصلين من كل جانب، بدت أصواتهم وهم يرددون “الله أكبر” وكأنها تصدح فوق الدمار، معلنة أن الحياة لن تتوقف مهما بلغت وحشية الاحتلال. هذا العيد، الذي جاء وسط أنقاض غزة، لم يحمل الفرحة التقليدية التي اعتادها الفلسطينيون في السابق، لكنه حمل رسالة أقوى من أي وقت مضى: أن شعبًا يصلي بين الركام هو شعب لن يهزم، متمسك بأرضه وهويته رغم كل محاولات الإبادة والتهجير.