يبرز شهر رمضان المبارك في المغرب كمناسبة دينية واجتماعية تجمع بين العبادة والتكافل، وفي الأقاليم الصحراوية، وخاصة بمدينة طانطان، يتجلى هذا البعد الاجتماعي بأبهى صوره، معززًا قيم الترابط والعطاء التي تميز أهل المنطقة.
في طانطان، يتحول الشهر الفضيل إلى فسحة لتجسيد الروح الجماعية، حيث تتداخل العادات الموروثة مع المبادرات المعاصرة لخلق نسيج إنساني متماسك يعكس هوية الصحراويين وتاريخهم العريق في التضامن.
وتتجلى هذه الروح في الموائد الرمضانية التي تمتد خارج البيوت إلى الأحياء، حيث يتبادل السكان الإفطار في لقاءات عائلية وقبلية تؤكد على أهمية التواصل والمشاركة، فلا يكاد يخلو حي من رائحة الأطباق التقليدية كالكسكس والطاجين المحضر بعناية ليتقاسمها الجيران والأقارب. كما تشهد المدينة حركية لافتة في الأعمال الخيرية، حيث تنشط الجمعيات المحلية والأفراد في توزيع القفف الغذائية على الأسر المحتاجة، مستلهمين من تقاليدهم القديمة التي تجعل من العطاء ركيزة أساسية في حياتهم اليومية.
في طانطان، لا تقتصر هذه المبادرات على الجانب المادي فقط، بل تمتد إلى تعزيز التواصل الاجتماعي من خلال زيارات الأرحام والتجمعات الليلية التي تضفي على المدينة أجواء من الدفء الإنساني، خاصة في ظل الظروف المناخية القاسية التي تجعل التكافل ضرورة حياتية. الصلوات الجماعية في المساجد، تليها جلسات الذكر والتلاوة، تضيف بعدا روحيا يعمق الشعور بالانتماء للمجموعة، بينما تظل الأسواق المحلية مراكز للحركة الاقتصادية والاجتماعية، حيث يتشارك الناس تجاربهم اليومية أثناء اقتناء حاجيات الشهر.
هذا الانسجام بين الديني والاجتماعي يجعل من رمضان في طانطان نموذجا حيا لكيفية استمرار القيم التقليدية في التكيف مع متطلبات العصر، فالصحراويون هنا لا يرون في الشهر الفضيل مناسبة للعبادة فحسب، بل فرصة لتجديد الروابط ودعم بعضهم البعض، سواء عبر تقاسم وجبة أو مد يد العون لمحتاج.
هكذا، تبقى طانطان، كغيرها من مدن الصحراء المغربية، شاهدة على قوة البعد الاجتماعي الذي يحمل في طياته إرثا ثقافيا غنيا وإنسانية صادقة تتجلى أكثر وضوحا في رمضان، لتؤكد أن التضامن ليس مجرد شعار، بل أسلوب حياة متجذر في وجدان أهل المنطقة.


