كشفت مصادر مطلعة لـ”هسبريس” عن فتح المفتشية العامة للإدارة الترابية تحقيقات موسعة بشبهات اختلالات في عمل مكاتب دراسات تعاقدت معها مجالس جماعات ترابية وجهات لإعداد طلبات عروض مشاريع وأوراش حيوية، بعضها يندرج ضمن برامج وطنية كبرى، على غرار برنامج التأهيل الحضري للمدن والمراكز الحضرية. وتشير تقارير رفعتها مديرية الجماعات الترابية التابعة لوزارة الداخلية إلى أن هذه المكاتب تتحمل مسؤولية تعثر تنفيذ صفقات عمومية متعددة، بسبب تقديرات مالية “هشة” وشروط تقنية غير متوافقة مع طبيعة المشاريع المزمع إنجازها.
وأوضحت المصادر أن التقارير المذكورة رصدت حالات تسببت فيها تقديرات مالية “مشبوهة” -وُضعت من قبل مكاتب الدراسات- في إيقاف مشاريع حيوية، وإثارة منازعات قانونية وقضائية بين الجماعات الترابية والشركات الفائزة بالصفقات. كما أشارت المعطيات الأولية للتحقيقات الجارية إلى أن بعض المجالس المنتخبة أصبحت “خاضعة” لسيطرة مكاتب الاستشارة، التي توسع تدخلها لتعويض النقص في الكفاءات البشرية داخل المصالح التقنية للجماعات، رغم عدم توفرها على التخصصات المطلوبة، وضعف جودة مخرجاتها.
ووفقاً للتحقيقات، فإن تدخل هذه المكاتب تجاوز في بعض الحالات دوره الاستشاري إلى حد تحويلها إلى “جهة موازية” تتولى مهام إعداد الوثائق التقنية والمالية للمشاريع، بدلاً من المصالح الداخلية المؤهلة، مما أدى إلى صياغة طلبات عروض تتسم بعدم الوضوح، وتفتقر إلى الشروط الدقيقة التي تضمن شفافية المنافسة وتنفيذ المشاريع وفق الجدولة المقررة.
ويُعتبر برنامج التأهيل الحضري للمدن أحد أبرز البرامج المتضررة من هذه الاختلالات، حيث تعثرت مشاريع تهم تطوير البنى التحتية وتحسين الخدمات الحضرية في عدد من الجهات، بسبب أخطاء في صياغة دفاتر التحملات، أو تقديرات مالية غير واقعية، ما تسبب في خسائر مالية وتأخير زمني في تنفيذ الأوراش.
وتأتي هذه التحقيقات في إطار تعزيز الرقابة على تدبير الشأن المحلي، وضمان التزام الجماعات الترابية بمعايير الحكامة الجيدة، خاصة في ظل الأهمية الاستراتيجية للمشاريع المندرجة ضمن البرامج الوطنية. ويُنتظر أن تفضي نتائج التحقيقات إلى إعادة هيكلة آلية التعاقد مع مكاتب الدراسات، وتقوية القدرات البشرية داخل المصالح التقنية للحد من الاعتماد المفرط على الاستشارات الخارجية، مع فرض عقوبات على الجهات المتورطة في حال ثبوت الإهمال أو التجاوزات.
يُذكر أن وزارة الداخلية كانت قد دقّت ناقوس الخطر سابقاً حول مخاطر تفويض مهام حساسة لمكاتب دراسات دون ضوابط صارمة، مؤكدة على ضرورة مراجعة نموذج تدبير المشاريع المحلية لضمان تنزيل البرامج التنموية وفق الأهداف المعلنة.