بعد انعقاد الجموع العامة الانتدابية لحزب العدالة والتنمية، يترقب المتابعون للمشهد السياسي المغربي مخرجات المؤتمر الوطني المزمع انعقاده يومي 26 و27 أبريل المقبل، الذي يأتي بعد نكبة انتخابات 2021، والتي مثلت ضربة قاسية للحزب لم تكن فقط نتيجة أخطاء ذاتية، بل أيضًا بفعل هندسة سياسية مدروسة استهدفت إبعاده عن مراكز القرار وتقليص دوره في الخريطة الحزبية. ورغم محاولات تلجيم دوره الدستوري، إلا أن الحزب حافظ على حضور مميز في المشهد السياسي من خلال مواقفه الرقابية والتشريعية والتواصلية. فما هي الإضافة النوعية التي يمكن أن يقدمها المؤتمر في أبعاده التنظيمية، الحزبية، والسياسية؟
أولًا: على المستوى التنظيمي – بين إعادة الهيكلة ومقاومة التهميش
تفرض المرحلة الحالية على حزب العدالة والتنمية مراجعة بنيته التنظيمية بعمق، خاصة بعد الضربات التي تلقاها عقب انتخابات 2021، حيث برزت الحاجة إلى ضخ دماء جديدة قادرة على مواجهة التحديات دون السقوط في فخ إعادة إنتاج نفس الخطاب والممارسات السابقة. كما أن الحزب يواجه معضلة إعادة الانتشار والتكيف مع وضعه الجديد في المعارضة، وهو ما يستوجب إعادة هيكلة مؤسساته الداخلية وتعزيز آليات الديمقراطية الداخلية، بما يمكنه من استعادة ثقة مناضليه وقاعدته الانتخابية.
ثانيًا: البعد الحزبي – بين أزمة الهوية ومحاولات الاستهداف
لم تكن أزمة حزب العدالة والتنمية داخلية فقط، بل تعرض أيضًا لاستهداف سياسي ممنهج، من خلال هندسة انتخابية أُعدّت لتقليص نفوذه السياسي، ومحاولات إضعافه داخل المؤسسات المنتخبة، وهو ما جعل الحزب يعيش أزمة هوية سياسية بين كونه حزبًا إصلاحيًا ذي مرجعية إسلامية وبين محاولاته التأقلم مع الوضع الجديد. رغم ذلك، فقد أثبت الحزب قدرته على البقاء كقوة سياسية فاعلة، وهو ما يظهر في حضوره الرقابي داخل البرلمان، ومواقفه المعارضة التي تعكس رفضه لمحاولات تحجيم دوره السياسي والدستوري.
ثالثًا: البعد السياسي – أي مستقبل لحزب العدالة والتنمية؟
بعد نكسة 2021، لم يختفِ الحزب من المشهد، بل حافظ على حضور مميز سياسيًا ورقابيًا وتشريعيًا وتواصليًا، من خلال مواقفه الصريحة تجاه عدد من القضايا الوطنية، ومساءلته للحكومة داخل البرلمان، واستمراره في التفاعل مع الشأن العام عبر خطاب نقدي واضح. ومع اقتراب المؤتمر الوطني، يبرز السؤال الأساسي: هل سيتمكن الحزب من إعادة بناء ذاته واستعادة موقعه السياسي، أم سيظل محاصرًا داخل دور معارضة محدودة التأثير؟
وفي ضوء ما سبق، فالمؤتمر الوطني لحزب العدالة والتنمية سيكون اختبارًا حاسمًا للحزب، ليس فقط من حيث قدرته على إصلاح ذاته داخليًا، بل أيضًا في مدى نجاحه في التعامل مع الضغوط السياسية ومحاولات تهميشه. وإذا كان الحزب قد تعرض لنكسة انتخابية كبيرة، فإنه لا يزال يملك أوراقًا سياسية قوية، من بينها حضوره الرقابي والتشريعي، والتي قد تشكل أساسًا لانطلاقة جديدة إذا تمكن من استخلاص الدروس الضرورية من المرحلة الماضية.