في تطور جديد يعكس حالة الارتباك التي تعيشها جبهة البوليساريو عقب المستجدات الأخيرة داخل أروقة الأمم المتحدة، وجهت الجبهة رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، قالت إنها تتضمن “مقترحاً موسعاً لحل سياسي مقبول من الطرفين”. خطوة اعتبرها مراقبون محاولة متأخرة لتدارك العزلة الدبلوماسية المتزايدة التي تواجهها، خاصة بعدما حظي مقترح الحكم الذاتي المغربي بتأييد واسع من أعضاء مجلس الأمن وبدعم متزايد من القوى الدولية المؤثرة.
وتأتي هذه الرسالة التي وقعها إبراهيم غالي، بصفته “رئيس الجمهورية الصحراوية المزعومة والأمين العام لجبهة البوليساريو”، قبيل اجتماع مجلس الأمن لبحث تمديد ولاية بعثة “المينورسو”، في وقت تحاول فيه الجبهة تقديم ما تسميه “مبادرة حسن نية” للتفاوض. غير أن مضمون الرسالة، كما أوضح متتبعون، لم يخرج عن الخطاب التقليدي الداعي إلى “استفتاء تقرير المصير”، وهو طرح تجاوزه المجتمع الدولي منذ سنوات لصالح الحل الواقعي القائم على الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية.
وتضمن البيان الموجه إلى الأمم المتحدة إشارات إلى “استعداد الجبهة لإقامة علاقات استراتيجية مع المغرب” في حال توافرت “الإرادة السياسية”، إلى جانب تجديد الدعوة إلى “استفتاء بإشراف الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي”. غير أن هذه اللغة، وفق محللين، تعكس محاولة التفاف على التحولات السياسية والدبلوماسية التي يشهدها الملف، لاسيما بعد الموقف الأمريكي الواضح الذي أكد أن “الحكم الذاتي هو الحل الوحيد الممكن”.
ويأتي هذا التحرك في سياق مغاير تماماً لما اعتادته الجبهة خلال السنوات الماضية، بعدما كشفت مسودة مشروع قرار أمريكي أن واشنطن تدعم صراحةً مبادرة الحكم الذاتي المغربية باعتبارها “الأكثر جدية وواقعية ومصداقية”، داعية الأطراف إلى العودة إلى المفاوضات على هذا الأساس فقط.
التحول لم يقتصر على الموقف الأمريكي، إذ صدرت من موسكو إشارات غير مسبوقة اعتبرها المراقبون مؤشراً على تغير في الموقف الروسي التقليدي، بعدما أقرّ وزير الخارجية سيرغي لافروف بأن مبادرة الحكم الذاتي قد تمثل “شكلاً من أشكال تقرير المصير” التي يمكن دعمها إذا تحقق التوافق داخل مجلس الأمن، في موقف يُقرأ كاقتراب روسي من الرؤية المغربية.
وفي واشنطن، جدد المستشار الرئاسي مسعد بولس التأكيد للمسؤولين الجزائريين على أن “الولايات المتحدة تعتبر الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية الحل الوحيد الممكن”، في استمرار واضح لنهج إدارة ترامب الذي وصف الموقف المغربي بـ“الجاد والواقعي وذي المصداقية”.
أمام هذه التحولات، تبدو جبهة البوليساريو في سباق مع الزمن لتدارك مأزقها السياسي، عبر تحركات شكلية لا تحمل أي مضمون جديد، خاصة في ظل توسع دائرة الاعتراف الدولي بمغربية الصحراء وتراجع نفوذ الجزائر داخل مجلس الأمن. ويرى محللون أن تحرك الجبهة الأخير ليس سوى محاولة لطمأنة أنصارها بعد فقدانها أوراق الضغط، أكثر من كونه مبادرة تفاوضية حقيقية.
وتخلص مصادر دبلوماسية إلى أن لغة رسالة البوليساريو تكشف عن أزمة ثقة داخلية وخارجية، إذ تدرك الجبهة أن القرار الأممي المرتقب نهاية الشهر سيعزز مكانة مبادرة الحكم الذاتي كخيار وحيد وواقعي لتسوية النزاع، لتبقى كل محاولاتها الراهنة مجرد محاولات لتأجيل الإقرار الدولي النهائي بأن الحل في الصحراء لن يكون إلا في إطار السيادة المغربية.


