تحلّ اليوم ذكرى السابع من أكتوبر، التي ارتبطت بمعركة “طوفان الأقصى”، في وقتٍ تتجه فيه الأنظار نحو الدوحة حيث تُجرى مفاوضات جديدة بين حركة “حماس” وإسرائيل برعاية قطرية ومشاركة مصرية وأمريكية، وسط آمال متجددة بوقفٍ دائم لإطلاق النار في غزة، وتبادل للأسرى، وتخفيفٍ لمعاناة المدنيين المحاصرين منذ أزيد من سنة.
وبينما تُعدّ هذه المفاوضات فرصة لإعادة إحياء الأمل، فإنها تواجه في المقابل عقبات معقدة تتعلق بتعنت الحكومة الإسرائيلية واشتراطات المقاومة الفلسطينية، ما يجعل الطريق نحو السلام محفوفاً بالمخاطر والتجاذبات الإقليمية.
الذكرى، التي يصعب فصلها عن سياقها الإنساني والسياسي، تُعيد إلى الواجهة سؤالاً محورياً حول جدوى المقاومة وحدود المفاوضات، وحول ما إذا كانت الحرب التي اندلعت في مثل هذا اليوم من عام 2023 قد غيّرت فعلاً معادلات القوة أم أنها أعادت إنتاج المأزق ذاته بوجوه مختلفة. فـ“طوفان الأقصى” بقدر ما هو حدث عسكري، فهو يعكس لحظة فارقة في وعي الشعوب العربية والإسلامية، ذكّرتها بأن فلسطين لا تزال البوصلة، وأن القضية لم تَمُت رغم محاولات طمسها أو تطبيعها في الوعي الجمعي.
في المقابل، تطرح الذكرى أيضاً سؤالاً أخلاقياً حول التطرف بكل أشكاله، سواء أتى من جماعات تبرّر العنف بلا ضوابط، أو من قوى دولية تمارسه باسم “الأمن” و“الردع”. فالتطرّف، في جميع تمظهراته، يضعف الموقف الأخلاقي والسياسي ويمنح الاحتلال مبرراً للاستمرار في نهجه العدواني، بينما يبتعد الحلّ العادل خطوة أخرى. وهنا تتقاطع المأساة مع السياسة، ويصبح تحقيق التوازن بين المقاومة المشروعة والالتزام بالقيم الإنسانية تحدياً لا يقل صعوبة عن الميدان نفسه.
وفي خضم هذا المشهد، يبرز الدور القطري كمحاولة لتجسير الهوة بين طرفين فقدا الثقة المتبادلة، فيما تواصل الأطراف الإقليمية والدولية مساعيها لبلورة اتفاق مؤقت قد يُمهّد لمرحلة سياسية جديدة. غير أن مؤشرات النجاح لا تزال هشة، بفعل غياب الضمانات الحقيقية لوقف العدوان واستمرار الحصار، إلى جانب انقسام المواقف الدولية وتناقضها بين دعم “حق الدفاع عن النفس” وتجاهل الجرائم اليومية في غزة.
أما المغرب، فيظلّ موقفه من القضية الفلسطينية ثابتاً في عمقه الشعبي، حيث تتجدد في كل ذكرى مظاهر التضامن الواسع مع الشعب الفلسطيني، تعبيراً عن التمسك التاريخي بالقدس وبالحق المشروع في المقاومة ضد الاحتلال. غير أن التحدي اليوم لا يقتصر على الشعارات، بل يمتد إلى ضرورة تفعيل الدبلوماسية المغربية للمساهمة في دعم مسار عادل ومتوازن، يحمي حقوق الفلسطينيين ويمنع اختزال المأساة في تفاوض بلا أفق.
ذكرى “7 أكتوبر” هي دعوة لتأمل الدروس السياسية والأخلاقية التي أفرزتها سنة كاملة من الدم والخذلان. وبين واقع الحرب وتعقيدات المفاوضات، يظلّ الطريق نحو السلام العادل رهيناً بميزان القوة على الأرض، وبقدرة الأطراف العربية، ومنها المغرب، على الدفاع عن ثوابت الأمة دون الوقوع في فخ التطرف أو التطبيع. فالمجد لذكرى “طوفان الأقصى” التي أعادت للقضية نبضها، وللضمير العربي امتحانه الأصعب.


