منذ أن انطلقت أولى نسخ موسم “أمكار” في طانطان، وهو يحمل في اسمه رمزية ثقافية مرتبطة بموروث الخيمة و سباق الهجن و طقوس الترحال و الرعي التي كانت منذ عقود مفخرة للمنطقة، وعنواناً لتلاقح الأصالة بالهوية المحلية. لكن النسخة الحالية في طبيعتها 18 من هذا الموسم، والتي ستنظم على امتداد أربعة أيام ابتداء من يوم غد الأربعاء 14 ماي الجاري، جاءت لتؤكد بالملموس أن ما يُقام اليوم لا علاقة له بما كان، وأن من يقودون دفة التنظيم، اختاروا القطيعة مع الروح الحقيقية للموروث، لصالح مسرحية مغشوشة تخدم لوبيات ضيقة ومصالح لا علاقة لها بثقافة أو تراث.
أمكار اليوم فقد جوهره، وأضحى واجهة شكلية للفرجة الاستعراضية التي لا تُراكم أي أثر مجتمعي ولا تعكس التنوع الثقافي للمنطقة. فبينما يُفترض أن يكون مناسبة لتكريم الوجهاء و القيادات التاريخية للقبائل الصحراوية و الجمعيات المهنية الجادة التي تسهر على خلق روح الموسم وتنظيم طقوس و أنشطة طوال السنة، نجد هذه الجمعيات مقصية، مهمشة، بل مستفَزة بحضور أسماء لا تمت بصلة للجهد الميداني، لكنها تملك القرب من لوبي الانتخابات و مراكز القرار أو الولاء للمُشرفين على توزيع “كعكة التنظيم”.
والأدهى من كل هذا، أن الإعلام المهني المحلي، الذي واكب نسخًا سابقة بكل تفانٍ واحترافية، وجد نفسه هذا العام خارج الحسابات، مغيبًا بالكامل عن تغطية الحدث، وكأن الصوت المحلي أصبح عبئاً على من يريدون الترويج لصورة أحادية مفبركة للموسم. بدل أن يُفتح المجال أمام الأقلام الحرة والمنابر الجادة، تمّت الاستعانة بمنصات دعائية لا تعرف عن طانطان سوى موقعها على الخريطة، لكنها تتقن الترويج لما يُطلب منها دون مساءلة ولا حس نقدي.
أما المواطن العادي، الذي ظل لسنوات يعتبر “أمكار” لحظة فرح جماعي، فبات يتعامل مع الحدث بكثير من البرود، إن لم نقل بعدم الاكتراث. لا رواج اقتصادي يُذكر، لا إشراك فعلي للساكنة، لا استحضار للبعد الثقافي الحقيقي. فقط احتفالات مغلقة، منصات موجهة، وخطب جاهزة تنتهي بانتهاء ميزانية الموسم.
إن تاريخ “أمكار” الذي بدأ كتقليد شعبي عفوي ارتبط بجذور القيم المحلية والثقافة الحسانية، يتم اليوم تفريغه من محتواه، وتحويله إلى حدث نخبوي مغلق، لا صوت فيه إلا للمنتفعين منه. وما لم يتم القطع مع هذا النهج الإقصائي، والعودة إلى منطق الشراكة والتمثيلية الحقيقية، فإن هذا الموسم لن يكون سوى استنزاف متكرر للمال العام باسم التراث، واحتقار ممنهج لذاكرة جماعية تستحق أكثر من هذا العبث.
صحيح أن المجالس المنتخبة المسؤولة الاولى عن هذا العبث لكن يمكن السلطات و المؤسسة المنظمة التأمل و الاصلاح و التغيير خصوصا أن هذا الحدث الدولي ينظم تحت الرعاية السامية اصحاب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله.


