شهد الملتقى الإقليمي للإعلام والتوجيه المدرسي والمهني والجامعي بطانطان إقبالًا مكثفًا من التلاميذ، الذين أبدوا شغفًا ملحوظًا بالبحث والعلوم، ما جعل العديد من المشاركين يؤكدون ضرورة تخصيص أسبوع كامل لهذا النشاط الهام، الذي يعكس قيم المبادرة الوطنية للتنمية البشرية. إلا أن الحدث، الذي كان يفترض أن يكون مناسبة للارتقاء بالمستوى الأكاديمي، كشف عن مشهد صادم أثار استغراب الضيوف والمشاركين، خصوصًا الأطر التربوية القادمة من مختلف الجامعات والمعاهد.
المفارقة الكبرى تمثلت في الحالة المزرية لحافلة جماعة الوطية، التي أقلّت بعض التلاميذ لحضور الملتقى. الحافلة، التي وصفها البعض بأنها تبدو وكأنها “قادمة من القرون الوسطى”، تعكس واقعًا متناقضًا مع الإمكانيات الاقتصادية للجماعة. فكيف لجماعة غنية، مطلة على المحيط الأطلسي وتحتضن ميناءً وطنيًا مصنفًا، ألا توفر وسيلة نقل لائقة لتلاميذها؟ كيف يمكن الحديث عن تنمية بشرية في ظل غياب أبسط الحقوق، كالتنقل الآمن والمريح لحضور فعالية تحدد مستقبل هؤلاء التلاميذ الأكاديمي؟
الغضب لم يقتصر على حال الحافلة المهترئة، بل امتد ليشمل غياب المجلس الإقليمي عن الانشغالات الحقيقية للسكان. فبينما تخصص دورات خاصة لدعم أنشطة هامشية يُنظر إليها كتذويب غير مسؤول للمال العام، يُترك قطاع التعليم يعاني من أبسط الاحتياجات. وفي الوقت الذي تستهلك فيه ميزانية الوقود مبالغ ضخمة، لم تُخصص أي اعتمادات لشراء حافلة جديدة تعكس صورة مشرفة عن الإقليم، ما دفع العديد من الفاعلين المحليين إلى المطالبة بإجراء تدقيق حول بونات المازوت الموزعة بسخاء في بعض الأقاليم المجاورة.
في ظل هذا الواقع، تعالت الأصوات الحقوقية لمطالبة عامل الإقليم عبد الله الشاطر بالتدخل العاجل، والإشراف شخصيًا على اقتناء حافلة جديدة، إلى جانب الإفراج عن العتاد المدرسي المحتجز من طرف بعض المنتخبين، الذين يرون في أصوات الناخبين فرصة لاستمرار نفوذهم، دون أي اكتراث لمستقبل الأجيال القادمة. فبين من يكرهون التميز والتفوق، وبين من يعانون عقدًا نفسية تجاه الكفاءات الحقيقية، يبقى التلميذ في طانطان والوطية ضحية حسابات ضيقة ومصالح شخصية.
وفي انتظار الفرج، يظل “الطوبيس” في بعض المدن المغربية حلمًا بعيد المنال، لكنه يظل – برغم بساطته – أفضل بكثير من حافلة متهالكة تحت إشراف من يدبرون الشأن العام بأساليب لا تليق بتطلعات ساكنة الإقليم!