تشهد مجموعة “العمران” بالرباط واحدة من أكبر الفضائح العقارية، حيث تم إحالة 14 مسؤولًا وإطارًا بالمجموعة على القضاء لمواجهة تهم تتعلق بتبديد أموال عمومية. وسيمثل المتهمون، بعد غد (الاثنين)، أمام الغرفة الجنائية الابتدائية المكلفة بجرائم الأموال بقصر العدالة بالعاصمة، بعدما تقرر متابعتهم في حالة سراح.
وتعود تفاصيل القضية إلى إنشاء المتهمين لودادية سكنية تضم أطرًا بالمجموعة، حيث قاموا باقتناء بقعتين أرضيتين بساحل الهرهورة، التابعة لعمالة الصخيرات تمارة، بهدف تشييد فيلات صغيرة، وذلك بسعر قدره 300 مليون سنتيم. إلا أن التحقيقات كشفت أن عملية التفويت تمت بطرق غير قانونية، إذ تبين أن بعض أعضاء لجنة التفويت بـ”العمران” كانوا ضمن المستفيدين، مما يطرح شبهة استغلال النفوذ وتحويل أراضٍ عمومية إلى ممتلكات خاصة بثمن يقل عن السعر المرجعي الحقيقي للعقار في تلك المنطقة، التي تعرف ارتفاعًا كبيرًا في قيمة المتر المربع.
دخول المجلس الأعلى للحسابات على الخط زاد القضية تعقيدًا، حيث قدم ملاحظات خطيرة تؤكد وجود خروقات جسيمة في عملية التفويت. وعلى إثر ذلك، أحيل الملف على النيابة العامة لدى محكمة الاستئناف بالرباط، التي أمرت بفتح تحقيق معمق مع المستفيدين من البقع. وأسندت مهمة البحث إلى الفرقة الوطنية للشرطة القضائية، التي استدعت مديرًا في “العمران” ومساعديه وأطرًا أخرى لاستجوابهم حول ملابسات العملية.
ورغم محاولات المتهمين تبرير تصرفاتهم بالقول إن العملية قانونية، مستشهدين بممارسات مشابهة لجمعيات الأعمال الاجتماعية داخل مؤسسات عمومية أخرى، إلا أن التحقيقات أثبتت العكس. فالمعطيات التي قدمها المجلس الأعلى للحسابات، بالإضافة إلى الشكاية المرفوعة ضدهم، أكدت وجود فارق شاسع بين الثمن المرجعي للعقار وسعر البيع الذي استفادوا منه، مما شكل دليلًا على تبديد المال العام.
وكان المتهمون يأملون في أن يتم حفظ الملف لعدم كفاية الأدلة، خصوصًا بعدما قدموا دفوعات تزعم قانونية عملية الشراء والتفويت عبر الودادية السكنية، لكن قاضية التحقيق، وبعد دراسة مستفيضة للملف، خلصت إلى وجود عناصر جرمية واضحة. وقد أحالتهم على الغرفة الجنائية الابتدائية، مع إحالة نتائج التحقيق على الوكيل العام للملك، الذي صادق على خلاصات الأبحاث وأمر بمواصلة المتابعة القضائية.
هذه القضية تطرح العديد من التساؤلات حول نزاهة تدبير العقار العمومي واستغلال النفوذ داخل المؤسسات العامة، كما تسلط الضوء على الحاجة الملحة لتعزيز آليات الرقابة والشفافية، لضمان عدم تكرار مثل هذه الممارسات التي تهدر المال العام وتمس بمصداقية المؤسسات الوطنية.