أثار تصريح وزير الداخلية، عبد الوافي لفتيت، بشأن رفض مطلب إدماج عمال الإنعاش الوطني المجازين في أسلاك الوظيفة العمومية جدلاً واسعاً، خاصة في ظل استمرار هذه الفئة في معاناة اجتماعية ومهنية مزمنة. ففي الوقت الذي يستند فيه الوزير إلى مبدأ تكافؤ الفرص والمساواة المنصوص عليه في الدستور لتبرير موقفه، تتصاعد الانتقادات التي ترى في هذا التصريح محاولة لتجاهل حقوق فئة مستضعفة من المواطنين تحت ذريعة قانونية.
التكافؤ والمساواة: مبدأ أم ذريعة؟
من المؤكد أن مبدأ تكافؤ الفرص والمساواة يشكل أحد ركائز الدستور المغربي، إلا أن تطبيقه لا يمكن أن يكون انتقائياً أو يُستخدم فقط لرفض مطالب اجتماعية مشروعة. عمال الإنعاش الوطني ليسوا مجرد عمال موسميين، بل هم أفراد يحملون شهادات جامعية ويعملون في ظروف غير مستقرة لسنوات طويلة، مما يجعلهم في وضع استثنائي يستدعي حلولاً استثنائية. فهل يمكن اعتبار رفض إدماجهم في الوظيفة العمومية تعزيزاً للمساواة، أم تكريساً لغياب العدالة الاجتماعية؟
الإطار القانوني بين الثبات والتحديث
استناد الوزير إلى الظهير الشريف الذي ينظم قطاع الإنعاش الوطني لتبرير رفض الإدماج يطرح تساؤلات حول مرونة الإطار القانوني وقدرته على مواكبة التغيرات الاجتماعية والاقتصادية. فالظهير المذكور، الذي يعتبر العمال مجرد “مياومين” في أوراش موسمية، قد لا يعكس الواقع الحالي الذي يشهد تحولات عميقة في سوق الشغل، حيث أصبحت الحاجة ملحة لتوفير الحماية الاجتماعية وضمان حقوق العمال.
الإقصاء الاجتماعي تحت غطاء المرونة
تصريح لفتيت أشار إلى أن نظام الإنعاش الوطني يعتمد على مقاربة مرنة للتشغيل تهدف إلى مكافحة البطالة. لكن هذه “المرونة” تأتي على حساب الحقوق الأساسية للعمال، مثل التغطية الصحية والتقاعد والأجر اللائق. وإذا كان الهدف هو مكافحة البطالة، فإن الحل لا يكمن في الإبقاء على العمال في وضع هش، بل في توفير مسارات قانونية وواقعية لإدماجهم في سوق الشغل بشكل يضمن كرامتهم.
الحلول البديلة: غياب الرؤية الاستراتيجية
في الوقت الذي رفض فيه وزير الداخلية إدماج عمال الإنعاش الوطني في الوظيفة العمومية، لم يطرح أي حلول بديلة لتحسين أوضاعهم. كان يمكن أن يتم اقتراح سياسات جديدة تشمل التكوين المهني، أو إحداث برامج إدماج مرحلية تراعي خصوصيات هذه الفئة، أو حتى مراجعة الإطار القانوني الذي يحكم الإنعاش الوطني ليواكب التغيرات الراهنة.
خلاصة: مسؤولية أخلاقية قبل أن تكون قانونية
تصريح لفتيت يعكس رؤية قانونية ضيقة تتجاهل البعد الاجتماعي والإنساني لهذه القضية. إن حماية مبدأ تكافؤ الفرص لا يعني بالضرورة رفض إدماج هذه الفئة، بل قد يتطلب استحداث آليات جديدة تحقق الإنصاف دون الإخلال بالمبادئ الدستورية.
يبقى على الحكومة التفكير بشكل جدي في تبني مقاربة شمولية توازن بين احترام القوانين وحماية الفئات الهشة، لأن تجاهل هذه المطالب المشروعة ليس سوى تأجيج لمزيد من الإحباط الاجتماعي الذي قد يتفاقم إذا لم تتم معالجته بفعالية وحكمة.