ربما لم يسبق أن رافق الجدل تغيير رجل سلطة أكثر مما حدث مع محمد بنعيسى، رئيس قسم الشؤون الداخلية بولاية طنجة، الذي تم تنقيله مؤخرا إلى شتوكة آيت باها، بعد زمن قصير من اشتغاله بطنجة وفضح المستور لدى مسؤولين سابقين وإنجاز تقارير سوداء.
وعلى الرغم من أن بنعيسى تمت “ترقيته” ونقله إلى الجنوب، إلا أنه لا يكاد يوجد أحد ينظر إلى هذا الأمر على أنه ترقية، بقدر ما اعتبر تنقيلا عقابيا وراءه أسباب مرتبطة بطبيعة هذا المسؤول الذي يوصف بأنه “عاشق النبش في الملفات” والمتلاعب بحساسية التوازنات.
ومن غريب الصدف أن بنعيسى ذهب غير بعيد عن مكان سلفه محمد الطاوس، الذي كان يشغل نفس المنصب بولاية طنجة وتم تنقيله أيضا كاتبا عاما إلى إقليم الحوز، لكن الفارق أن الطاوس انتقل بعد أن “قضى الغرض”،مع صاحبو وسوف نرجع بملفات حارقة حول تعيين هدا المسؤول في رمشة عين بين كاتب عام بالحوز وعامل بالنيابة وفي شهرين تنقيله الى كلميم بنفس المنصب وصار عاملا في رمشة غين بمباركة صديقه في الداخلية سترجع للموضوع لتحقيق بينما تم تنقيل بنعيسى وهو في ريعان حماسه لرسم خارطة سلطوية خاصة به بطنجة.
ووفق ما تقوله العديد من المصادر فإن بنعيسى، ومنذ حلوله بطنجة قبل حوالي سنة، عمل على خلق جهاز معلوماتي خاص به، وبدأ النبش في ملفات الكثير من رجال السلطة بالمدينة والنواحي، وشكل أيضا “بلاطه” الخاص من المحظيين من رجال السلطة، وهم قلة، بينما ظل الكثيرون يلهجون بالدعاء، قبل الفجر وبعده، برفع البلاء.
واستطاع بنعيسى، بالفعل، أن يكتسب صفة “ابن بطوطة السلطة”، حيث تحول إلى رجل دائم الترحال بين المدن والولايات، وفعل ذلك في ظرف زمني قصير، حيث اشتغل في الرباط وفاس والرباط ومراكش وطنجة، في زمن قياسي، واشتغل مع الوالي مهيدية مرتين في الرباط ثم طنجة، ومر أيضا عبر مراكش، حيث تم توقيفه وأحيل على الإدارة المركزية، كما اشتغل إلى جانب الوالي اليعقوبي في الرباط والوالي زنيبر في فاس.. وأخيرا مع الوالي يونس التازي في طنجة.
وتبدو هذه المسيرة هتشكوكية إلى حد بعيد، حيث يرى البعض أن هذه “الفرفرة” السلطوية تثبت دينامية خارقة لبنعيسى، الذي تضيق به الأمكنة بسرعة، بينما يرى آخرون أنه يطبق حرفيا نظرية “هبش تجبد حنش”..!
ووفق مصادر مطلعة فإن بنعيسى، ومنذ حلوله بولاية طنجة، تخصص في نبش ملفات عدد كبير من رجال السلطة، وخاصة بقسم الشؤون الداخلية الدي اكتشف خروقات كبيرة في استنزاف المال العام وأيضا في توظيفات مشبوهة لأعوان السلطة والعريفات…. كما حاول تقريب عدد منهم إلى محيطه، وخلط الحابل بالنابل في مجال لا يحتمل أبدا هذا النوع من “الفهلوة”..!
ويعتبر الكثير من المراقبين أنه بتنقيل بنعيسى نحو مكان آخر، ولو في ثوب ترقية، فإن طنجة تخلصت من عبء ثقيل جدا، وأن الطمأنينة عادت إلى ولاية طنجة التي تحولت إلى ما يشبه الكابوس لسبب أن بنعيسى صار يتصرف وكأنه الوالي فعليا، وصار يرقي من يشاء ويعاقب من يشاء، وأكبر دليل هو قايد الدائرة الرابعة الذي صار باشا رغم كل ما جرى ويجري في منطقة “شالة”، وقايد حد الغربية الذي يحظى بحماية أسطورية، مع كل ما يجري في منطقته من بناء عشوائي وسلوكيات صبيانية، و هذه مجرد أمثلة.
وفي كل هذه المتاهة التي دخلها بنعيسى، لم ينتبه يوما إلى أنه مجرد “مسؤول دياجي DAG” بالولاية، وأنه لا يحق له إطلاقا السطو على اختصاصات الوالي، ولا التطفل على مهام وزارة الداخلية، وأن خلق “نظام للحكم الذاتي” داخل ولاية طنجة أمر لا يستقيم مع المفهوم الجديد للسلطة والمجهودات الكبيرة التي يقوم بها المغرب من أجل ذلك.
كما أنه لا يبدو من المناسب تناسي ما قام به “سيدي الوالي بنعيسى” حين تغاضى عن درس قديم في سلسلة “إقرأ” بعنوان “مرافقة الأشرار”، وأصبح أحد المخططين الرئيسيين لحرث الحقل الانتخابي المقبل بطنجة بتراكتور مهترئ، وهي خطيئة حقيقية، ليس فقط في حق سكان طنجة الذين يخضعون لعقوبة قاسية منذ سنوات طويلة عبر تعيين منتخبين أغبياء عليهم، بل أيضا خطيئة في حق الحياد الواجب توفره في رجال السلطة وضرورة تعاملهم مع كل الأحزاب كأسنان المشط وليس الكولسة في جلسات خاصة تدفع الحمير التي تجر عربات مهترئة تتوهم نفسها جرارات خارقة.
وتبقى في النهاية نقطة ضرورية لا بد من الإشارة إليها، وهي أن بنعيسى اشتغل خلال عام تقريبا بولاية طنجة إلى جانب رجل سلطة آخر اسمه الحبيب العلمي، وهو الكاتب العام لولاية طنجة لسنوات عدة، والذي انتقل بدوره لمسؤولية أخرى مؤخرا، وسيكون رائعا جدا لو أن بنعيسى استطاع تعلم بعض الدروس الإيجابية من الكاتب العام في طنجة، حتى يكون كاتبا عام جيدا في شتوكة آيت باها