بقلم الصحفي : أوس رشيد
شهر رمضان المبارك اليوم بطعم ديمقراطي إعلامي أخر ، فمُشاركة الوعي في المجتمع لعام 2024 ميلادياً وعام 1445 هجرياً، يعرف مرحلة جديدة من خلال عدة مؤشرات أولها أن ظروف القهر تولد النضال.
وثانيا هناك كسر لجدار الخوف و تصعيد جديد من خلال إشادة وتفاعل كبير من قبل الجمهور المغربي مع السلسلة الفكاهية “سي الكالة” التي يقدمها الفكاهي الساخر “محمد باسو” حيث عالجت في قالب ساخر، ظاهرة “الوساطة” أو “باك صاحبي” التي باتت اليوم أكثر محدد لقضاء أغراض إدارية أو الحصول على صفقات عمومية أو وظائف و رخص أو الولوج إلى معاهد عليا.. أو أي شيء من هذا القبيل، الأمر الذي يتسبب في ضياع حقوق فئات عريضة من المواطنين الذين ليس لهم “كالة” أي وسيط وبمعنى أخر سمسار ..
السلسلة الفكاهية “سي الكالة” ليست مثل الأحداث المشوقة لكونان في كوكب أكشن على قناة سبيستون، لان كل المشاهدين المغاربة داخل الوطن و خارجه ، يعرفون مفهوم معنى ” الكالة ” أو “باك صاحبي” (والدك صديقي)، وهي عبارة مغربية تختزل كل معاني المحسوبية والزبونية والاعتماد على نفوذ العائلة لتحقيق امتيازات على حساب حقوق الآخرين ، لكن الضجة الكبيرة كانت بالاحترافية في نقل مستوى الفساد الذي لم تسلم منه ملاعب القرب و السهرات و الرخص و التوظيفات بل أكثر من ذالك تزوير المؤهل العلمي و هندسة الانتخابات و مصادرة قانون الطبيعة ونزعة الإنسان في التغيير و التجديد .
من طرائف هذه الحلقات أن فتاة عاطلة حاصلة على شهادة إجازة في شعبة التربية الإسلامية و تريد الحصول على شهادة ماستر في الفلسفة ، وهو ما أغضب الفنان باسوا لأنه تعرض للسخرية من عميله في الجامعة الذي يبيع الشواهد ولكن في إطار المنطق و الرشوة ؟؟
فالفساد في المغرب هو الرشوة واقتصاد الريع، وهو منتشر خصوصاً بين الموظفين في القطاع العمومي في جميع القطاعات وفي قطاع الصفقات العمومية .
إذن الفكاهي الساخر “محمد باسو” صاحب شهادة الدكتورة في الأدب الإنجليزي لم يقرع الطبل والدربوكة والبندير مثل باقي الفنانين و لم يكرس الإلهاء و ينشر التفاهة ، بل خرق قواعد الاشتباك مع الوضع القائم ، ليتطرق إلى مواضيع جد مهمة بطابع فكاهي.
الجديد كذالك أن منظومة التفاهة الفاسدة الممولة و المدعومة من عدة جهات تستهدف فقط الطبقة الشعبية المسحوقة تحت شعار ” قوة التافه الرئيسية في مشاهدة تافه مثله”، حتى يتحقق الإلهاء و ينتشر الغباء العام و التطبيع بين الفساد والمجتمع ، عوض الحديث و معالجة المشاكل الكبيرة و غلاء المعيشة و ملف المعتقلين السياسيين .
فتجد الناس يقضون أعمارهم في نقاش جدلي وخصام أحيانا حول ” راقي وجدة ” وهو معالج روحاني استغل احد زبوناته جنسيا .
وكيف و صلت الفنانة المغربية دنيا بطمة لسجن الوداية في مراكش من أجل إمضاء عقوبتها في السجن؟ مع العلم أن الصحفي توفيق بوعشرين مؤسس جريدة “أخبار اليوم” يقضي عقوبة سجن قاسية وظالمة ، ولم يسلم من ذالك حتى محاميه النقيب محمد زيان (81 عاما) وزير، حقوق الإنسان السابق ، و كل المعتقلين طالبوا بمحاكمتهم كمعتقلي رأي و ليس كمجرمين.
مابين أن كافة النقاط المراد التحدث بها إعلاميا من طرف منصات الإلهاء و التفاهة لا يمكن برهنة مصداقيتها وفعاليتها واتصالها القوي بالواقع.
للمساهمة في تنمية الوعي الاجتماعي، يجب أن نصنع من أنفسنا قادة مجتمعيين بأساليب التفكير السليم ، رغم ضريبة النضال ، فقد تم وضع رقم هاتفي في كل مراحيض محطات المغرب الطرقية الكبرى ( أولاد زيان ، القامرة ، باب دكالة ، انزكان ) ، للنيل مني و التشهير بشخصيتي وبرجولتي، فقط لأنني كتبت مقال حول قيم حول التغيير الديمقراطي في المغرب زمن الربيع العربي .
وكان كل من اتصل بي من الأشخاص الفضوليين ممن ينشغلون بحياة الأشخاص الآخرين، ويرغبون في التعرف إلى المزيد في حياة من حولهم ويميلون إلى اختراق خصوصياتهم، أرد عليه بقولي ” يا أخي أنا فقط صحفي ، كتبت مقال لم يعجب الجماعة ، هم من كتبوا اسمي ورقمي في أبواب المراحيض “.
فكان الجواب من المتصل ” لعنة الله عليهم ، سأقوم بمسح الرقم اخويا “.
المغاربة ” تجمعهم الدّربوكة و تفرقهم الزرواطة ‘الحلال’ “كما جاء في إحدى ملفات مجلة وجهة نظر ، إنهم شعب عظيم يستحمون بشكل جماعي و يتسوقون كذالك ، الكل يصلي في شهر رمضان لان الضمير يصحو ويأنب أصحابه ، ومع ذالك لازال الحلم الديمقراطي و ربط المسؤولية بالمحاسبة بعيد المنال .
لكن السلسلات الرمضانية في المغرب دخلت مرحلة جديدة ، فقد سرقت الأضواء من القنوات الرسمية التي ترفع شعار ” مطرب الحي لا يطرب ” و تمول من المال العام ، وخرج الفكاهي الساخر “محمد باسو” من عمق المغرب الشرقي المنسي ، رفضا للاستبداد الفني و الظلم الاجتماعي .
المغرب الشرقي قدم عبر التاريخ جملة من الشهداء من أجل التغيير ، خاضوا معارك بين قوة الفكرة و فكر القوة بعد قرون من النضال و الكفاح المتواصل، كلهم كانوا يحلمون بمجتمع جديد غير المجتمع الذي عاشوا فيه.
واليوم الصمت يتكلم ، والقمع عبارة عن سياسة تنتج الإلهاء الممنهج و نشر التفاهة داخل المجتمع و مؤامرات لتصفية مناضلين معنويا بالتشهير أو قطع الأرزاق و طبخ ملفات للولوج إلى السجون المكتظة و الضعيفة من حيث الرعاية الطبية .
هناك الكثير من الطرق للمشاركة في التغيير و لتهذيب أفكارنا والوصول بها للأفضل أولها محاربة غزوا التفاهة لبيوتنا و مجتمعنا من خلال الحفاظ على القيم و نشر الوعي و الطاقة الايجابية المولدة للنضال و التحدي “استهلك بلا ما تهلك” .
- صحفي مهني مستقل