في الثامن عشر من مارس 2025، استيقظت غزة على جولة جديدة من العنف الإسرائيلي، حيث استأنفت إسرائيل قصفها العنيف على القطاع بعد هدنة هشة لم تدم طويلاً، لتُسجل بذلك واحدة من أكثر الأيام دموية في الصراع المستمر منذ أكتوبر 2023. هذه الجولة، التي أودت بحياة المئات وفقًا لمصادر صحية فلسطينية، لم تكن مجرد تصعيد عسكري، بل نقطة تحول كشفت عن أبعاد إنسانية وسياسية خطيرة تستحق التأمل.
من الناحية الإنسانية، فإن الحرب التي تجددت في 18 مارس تركت غزة في حالة خراب شامل. تقارير منظمة “يونيسف” أشارت إلى أن منازل الفلسطينيين أصبحت شبه مدمرة، ويعيش السكان على أنقاض بيوتهم وسط دمار يعم الجميع. الأطفال، الذين يشكلون نسبة كبيرة من الضحايا، يعانون من ظروف لا إنسانية، حيث لا مكان آمن يلوذون به. مستشفيات القطاع، التي تعاني أصلاً من نقص حاد في الإمدادات بسبب إغلاق معبر رفح، أصبحت عاجزة عن استيعاب أعداد الجرحى المتزايدة. هذا الواقع يعكس سياسة ممنهجة تهدف إلى جعل الحياة في غزة مستحيلة، وهو ما وصفه البعض بـ”حرب إبادة”، خاصة مع استهداف عائلات بأكملها وتدمير البنية التحتية بشكل متعمد.
سياسيًا، فإن استئناف الحرب يكشف عن فشل المجتمع الدولي في فرض هدنة دائمة. اتفاق وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه في يناير 2025 بوساطة أمريكية-قطرية-مصرية، والذي كان من المفترض أن ينتقل إلى مرحلته الثانية، انهار بسرعة. حركة حماس اتهمت رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بتعمد إشعال الحرب مجددًا للهروب من أزماته الداخلية، بينما أكدت إسرائيل أنها استهدفت “مئات الأهداف الجديدة” بناءً على معلومات استخباراتية. هذا التصعيد أثار موجة من الإدانات الدولية، حيث عبر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش عن “صدمته” من تجدد الضربات، داعيًا إلى احترام وقف إطلاق النار. لكن هذه الإدانات تبقى حبرًا على ورق في ظل تواطؤ غربي وصمت عربي محبط.
ما يثير القلق أكثر هو التداعيات طويلة الأمد لهذه الحرب. تقرير مدعوم من الأمم المتحدة في 18 مارس حذر من مجاعة وشيكة في غزة، مشيرًا إلى أن 1.1 مليون شخص—أي نصف سكان القطاع—يعانون من انعدام كارثي للأمن الغذائي. هذا الوضع يفاقم الأزمة الإنسانية ويجعل إعادة الإعمار شبه مستحيلة في ظل استمرار الحصار. على الصعيد الإقليمي، فإن الحرب تعمق الانقسامات داخل الاتحاد الأوروبي، حيث تتباين المواقف بين دعم ألمانيا غير المشروط لإسرائيل ودعوة إيرلندا لوقف إطلاق النار، مما يهدد بتداعيات أمنية تشمل تنامي معاداة السامية في أوروبا.
في ظل هذا الواقع المأساوي، يبدو أن الأمل بتحقيق حل سياسي عادل يتلاشى. سياسات نتنياهو، التي تتجاهل حل الدولتين وتسعى لإجلاء الفلسطينيين من غزة والضفة الغربية، تؤكد أن الهدف ليس الأمن الإسرائيلي بقدر ما هو محو الهوية الفلسطينية. إن استمرار هذا النهج لن يؤدي إلا إلى مزيد من العنف والدمار، ليس فقط في غزة، بل في المنطقة بأسرها. اليوم، غزة ليست مجرد أرض تُحارب، بل رمز لصمود شعب يرفض الاستسلام، وتحدٍ لضمير العالم الذي يصمت أمام هذه المأساة.