لم يكن يوم السابع من أكتوبر 2023 حدثًا عابرًا في سياق الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، بل شكَّل زلزالًا استراتيجياً أعاد رسم المشهد في المنطقة، كاشفًا معادلات جديدة ومؤكدًا أن المقاومة الفلسطينية ليست مجرد رد فعل، بل مشروع نضالي متجذر في الأرض والوجدان. عملية “طوفان الأقصى” لم تكن فقط ضربة موجعة للمنظومة الأمنية والعسكرية الإسرائيلية، بل كانت لحظة فارقة أثبتت خلالها المقاومة صلابة موقفها، ونجاحها في إرباك حسابات الاحتلال الذي كان يظن أن الفلسطيني قد استسلم لواقع الحصار والتهويد والتطبيع.
المخرجات التي أفرزها هذا الطوفان عديدة، أولها أن نظرية “الردع الإسرائيلي” قد تآكلت بشكل غير مسبوق. فللمرة الأولى منذ عقود، أصبح الاحتلال في موقع الدفاع، منشغلًا بحماية جبهته الداخلية أكثر من التفكير في توسيع عدوانه. وفقدت إسرائيل صورة الجيش الذي “لا يُقهر”، حيث بات واضحًا أن الفصائل الفلسطينية، رغم قلة إمكانياتها مقارنة بالآلة العسكرية الضخمة للاحتلال، تمتلك زمام المبادرة وتستطيع تغيير المعادلة متى شاءت.
ثانيًا، صمود المقاومة في وجه آلة الحرب الإسرائيلية أذهل العالم، حيث أظهرت الفصائل الفلسطينية تنظيمًا عالي المستوى في إدارة المواجهة، سواء عسكريًا أو إعلاميًا أو حتى سياسيًا. لم يكن مجرد قتال عشوائي، بل كانت هناك قيادة تتابع، وخطط تتطور، ورسائل تُوجَّه بعناية، سواء للداخل الفلسطيني أو للخارج. وبينما حاول الاحتلال تصوير المقاومة كمجرد “مجموعات إرهابية”، رأى العالم نموذجًا نضاليًا يحمل قضيته بكرامة ويواجه واحدة من أعتى القوى العسكرية بثبات يُدرَّس.
أما ثالث المخرجات، فهو النُبل الأخلاقي الذي تجلى في سلوك المقاومة خلال المعركة. فرغم الفظائع التي ارتكبها الاحتلال من استهداف المدنيين وتدمير البنية التحتية وفرض الحصار الخانق، ظل خطاب المقاومة ملتزمًا بمبادئها، متمسكًا بعدالة قضيته، متجاوزًا محاولات التشويه الإعلامي المنظم الذي حاول شيطنته.
لقد أثبتت المقاومة الفلسطينية أنها ليست مجرد بندقية، بل مشروع وطني وأخلاقي يحمل قضية شعب يُناضل من أجل حريته وكرامته. ورغم حجم الدمار والدماء، فإن “طوفان الأقصى” لم يكن فقط معركة عسكرية، بل لحظة تاريخية رسَّخت أن الحق لا يموت مهما اشتد الظلم، وأن صمود الأحرار أقوى من أي احتلال.