في ظل ظرفية سياسية وطنية ودولية متحولة، يواصل حزب العدالة والتنمية انعقاد جموعه العامة لانتخاب مندوبي الفروع الإقليمية للمؤتمر الوطني التاسع، المزمع تنظيمه أواخر أبريل 2025 ببوزنيقة. هذا الموعد الحزبي، الذي يأتي بعد سنوات من التراجع الانتخابي وتغير موازين القوى السياسية، يكتسي أهمية خاصة بالنظر إلى الرهانات التي يواجهها الحزب داخليًا وخارجيًا.
تمثل عملية انتخاب المندوبين محطة أساسية في إعادة تشكيل ملامح الحزب في مرحلة ما بعد التحديات الكبرى التي عاشها، حيث بدت الجموع العامة فرصة لقياس مدى قدرة التنظيم على استعادة قوته التأطيرية والتعبوية. وفي الوقت الذي تؤكد فيه قيادة الحزب على ضرورة تجديد الخطاب وإعادة بناء الثقة مع القواعد والمتعاطفين، تظهر النقاشات الداخلية حجم التحديات التي تواجه العدالة والتنمية، سواء فيما يتعلق بتموقعه السياسي أو قدرته على تقديم بدائل مقنعة في المشهد الحزبي المغربي.
الراهن السياسي الوطني يضع الحزب أمام أسئلة كبرى، أبرزها موقعه في المعارضة ومدى قدرته على تقديم خطاب نقدي بناء يعكس هويته الإصلاحية، دون السقوط في عزلة سياسية. فبعد سنوات من التدبير الحكومي، يجد العدالة والتنمية نفسه أمام معادلة دقيقة: الحفاظ على تماسكه الداخلي من جهة، وبناء تحالفات جديدة قادرة على منحه دورًا مؤثرًا في المشهد الحزبي من جهة أخرى.
في المقابل، تعكس الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الراهنة فشل التحالف الحكومي الحالي في بلورة حلول حقيقية لانتظارات الشعب المغربي، حيث يتسم تدبيره بضعف الرؤية الاستراتيجية، وتضارب المصالح بين مكوناته، مما ساهم في تفاقم الأزمات. فقد شهدت السنوات الأخيرة تغولًا للفساد، وارتفاعًا مهولًا في معدلات الفقر والبطالة، بالإضافة إلى موجات غلاء غير مسبوقة ضربت القدرة الشرائية للمواطنين، في ظل غياب سياسات ناجعة للتخفيف من حدة الأزمة. هذا الواقع خلق حالة من الاحتقان الاجتماعي، عززت الشعور بعدم الثقة في الفاعلين السياسيين، ودفعت الرأي العام إلى البحث عن بدائل أكثر مصداقية وتمثيلية.
أما على المستوى الدولي، فإن السياق المضطرب إقليميًا ودوليًا، خصوصًا مع التحولات الجيوسياسية وتداعياتها على القضايا الكبرى كالقضية الفلسطينية والعلاقات المغربية الدولية، يفرض على الحزب إعادة قراءة مواقفه بما ينسجم مع تطلعات أنصاره وتحديات المرحلة. ويبدو أن انتخاب المندوبين في هذا الظرف ليس مجرد إجراء تنظيمي، بل اختبار حقيقي لقدرة الحزب على إعادة التموقع داخل معادلات السياسة الوطنية في أفق المؤتمر الوطني المقبل.
تمثل هذه الجموع العامة خطوة أولى نحو إعادة بناء رؤية الحزب للمستقبل، في وقت يحتاج فيه العدالة والتنمية إلى استيعاب دروس المرحلة السابقة، والعمل على بلورة خطاب سياسي قادر على تحقيق التوازن بين الواقعية السياسية والتشبث بالمبادئ التي شكلت هويته منذ التأسيس. الأيام المقبلة كفيلة بالكشف عن مدى نجاح الحزب في هذه المهمة، وعن المسار الذي سيتخذه في مرحلة ما بعد المؤتمر الوطني التاسع.