من المعروف أن حنظلة هو أشهر الشخصيات التي رسمها الفنان الفلسطيني المعروف ناجي العلي (من قرية الشجرة الزاهرة قضاء طبريا 1937-1987)، ولكن قليل من يعرف أن حنظلة يمثل صبياً في العاشرة من عمره وهو ناجي العلي نفسه عام 1948.. ومعنى اسم حنظلة في اللغة العربية: الحنظل أو العلقم، وهو من النباتات الشديدة المرارة والتي يجب التعامل مها بحذر شديد حيث توجد فيه سمية، وعادة يضرب به المثل فيقال «أمر من حنظل»!
وورد ذكر الحنظل كثيراً في الشعر العربي القديم. فقد قال امرؤ القيس:
كأني غداة البين يوم تحملوا .. لدى سمرات الحي ناقف حنظل
وقال عنترة العبسي:
وَالخَيْلُ سَاهِمَةُ الوُجوهِ كَأنَّما .. تُسْقَى فَوارِسُها نَقِيعَ الحَنْظَلِ
وقال أيضاً:
لا تَسقِني ماءَ الحَياةِ بِذِلَّةٍ .. بَل فَاِسقِني بِالعِزِّ كَأسَ الحَنظَلِ
ماءُ الحَياةِ بِذِلَّةٍ كَجَهَنَّمٍ .. وَجَهَنَّمٌ بِالعِزِّ أَطيَبُ مَنزِلِ
وقال جرير:
أخزى الذي سمك السماء مجاشعاً .. وبنى بناءك في الحضيض الأسفل
أعيتك مأثرة القيون مجاشع .. فانظر لعلك تدّعي من نهشل
ودع البراجم إن شرِبك فيهمُ .. مرّ مذاقته كطعم الحنظل
وقال أبو تمام:
البَينُ جَرَّعَني نَقيعَ الحَنظَلِ .. وَالبَينُ أَثكَلَني وَإِن لَم أُثكَلِ
ما حَسرَتي أَن كِدتُ أَقضي إِنَّما .. حَسَراتُ نَفسي أَنَّني لَم أَفعَلِ
نَقِّل فُؤادَكَ حَيثُ شِئتَ مِنَ الهَوى .. ما الحُبُّ إِلّا لِلحَبيبِ الأَوَّلِ
كَم مَنزِلٍ في الأَرضِ يَألَفُهُ الفَتى .. وَحَنينُهُ أَبَداً لِأَوَّلِ مَنزِلِ
قال ناجي العلي:
«ولد حنظلة في العاشرة من عمره وسيظل دائماً في العاشرة.. ففي تلك السن غادرت الوطن وحين يعود حنظلة سيكون بعد في العاشرة.. ثم يأخذ بالكبر بعد ذلك.. قوانين الطبيعة المعروفة لا تنطبق عليه.. إنه استثناء.. كما هو فقدان الوطن استثناء.. وستصبح الأمور طبيعية حين يعود الوطن.. فالطفل يمثل موقفاً ليس لي فقط.. بل بالنسبة لحالة جماعية تعيش مثلي وأعيش مثلها.. قدمته للقراء.. وأسميته حنظلة.. كرمز للمرارة.. في البداية قدمته كطفل فلسطيني لكنه مع تطور وعيه أصبح له أفق قومي ثم أفق كوني إنساني».
وأما عن سبب تكتيف يديه فيقول ناجي العلي: «كتفته بعد حرب أكتوبر 1973 لأن المنطقة كانت تشهد عملية تطويع وتطبيع شاملة، وهنا كان تكتيف الطفل دلالة على رفضه المشاركة في حلول التسوية الأمريكية في المنطقة، فهو ثائر وليس مطبع».
كما أن لبسه لملابس مرقعة وظهوره حافي القدمين يرمزان لانتمائه للفقر والنكبة والتغريبة الفلسطينية الأولى. ظهر حنظلة فيما بعد بعض المرات رامياً الحجارة وكاتباً على الحائط تجسيداً لأطفال الحجارة منذ الانتفاضة الفلسطينية الأولى..
وعندما سُئل ناجي العلي عن موعد رؤية وجه حنظلة أجاب: «عندما تصبح الكرامة العربية غير مهددة، وعندما يسترد الإنسان العربي شعوره بحريته وإنسانيته». ويقول ناجي العلي بأن حنظلة «هو بمثابة الأيقونة التي تمثل الانهزام والضعف في الأنظمة العربية». ناجي العلي.
وهكذا كتب ناجي على لسان حنظلة يتكلم فيه عن نفسه:
«عزيزي القارئ اسمح لي أن أقدم لك نفسي.. أنا وأعوذ بالله من كلمة أنا اسمي: حنظلة، اسم أبي مش ضروري، أمي اسمها نكبة وأختي الصغيرة فاطمة، نمرة رجلي: ما بعرف لاني دايماً حافي، تاريخ الولادة: ولدت في 5 حزيران 67، جنسيتي: أنا مش فلسطيني مش أردني مش كويتي مش لبناني مش مصري مش حدا.. إلخ، باختصار معيش هوية ولا ناوي أتجنس.. محسوبك إنسان عربي وبس..
التقيت بالصدفة بالرسام ناجي، كاره فنه لأنه مش عارف يرسم وشرحلي السبب وكيف كل ما رسم عن بلد السفارة بتحتج الإرشاد والرقابة بتنذر، قلي الناس كلها أوآدم صاروا ملايكة، وآل ما في أحسن من هيك وبهالحالة بدي ارسم، بدي أعيش. وناوي يشوف شغلة غير هالشغلة، قلتله أنت شخص جبان وبتهرب من المعركة وقسيت عليه بالكلام، وبعدما طيبت خاطرو وعرفتو على نفسي وإني إنسان عربي واعي بعرف كل اللغات وبحكي كل اللهجات معاشر كل الناس المليح والعاطل والآدمي والأزعر.. كل الأنواع.. اللي بيشتغلوا مزبوط واللي هيك وهيك، وقلتله إني مستعد أرسم عنه الكاريكاتير كل يوم وفهمته إني ما بخاف من حدا غير من الله واللي بدوا يزعل يروح يبلط البحر، وقلتلو عن اللي بيفكروا بالكنديشن والسيارة وشو يطبخوا أكتر من ما بفكروا بفلسطين. ويا عزيزي القارئ، أنا آسف لأني طولت عليك، وما تظن إني قلتلك هالشي عشان أعبي هالمساحة، وإني بالأصالة عن نفسي وبالنيابة عن صديقي الرسام أشكرك على طول.. وبس» التوقيع: حنظلة.
لقي هذا الرسم وصاحبه حب الجماهير العربية كلها وخاصة الفلسطينية لأن حنظلة هو رمز للفلسطيني المعذب والقوي رغم كل الصعاب التي تواجهه فهو دائر ظهره للمتخاذلين. أصبح حنظلة إمضاءً لناجي العلي، كما أصبح رمزاً للهوية الفلسطينية والتحدي حتى بعد استشهاد مؤلف الشخصية..
فادي سلايمة
#الشجرة_الزاهرة