سلّط الدكتور رضا بوكمازي، عضو الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية، خلال استضافته في بودكاست “أثر” أمس الخميس على قناة أثر باليوتيوب، الضوء على أزمة الوساطة السياسية وتراجع الثقة في المؤسسات، معتبراً أنّ انسحاب النخب وتهميش الفاعل الحزبي من أبرز العوامل التي أضعفت الحياة السياسية ودَفعت الشباب إلى البحث عن بدائل للتعبير عن مطالبهم خارج الأطر التقليدية.
وأوضح بوكمازي أنّ التحولات الاجتماعية في المغرب أفرزت جيلاً جديداً يعبر عن احتياجاته عبر الفضاء الرقمي، قبل أن ينتقل جزء منه إلى الاحتجاج في الشارع، نتيجة شعور متزايد بعدم قدرة المؤسسات على استيعاب المطالب وترجمتها إلى سياسات عمومية.
وأضاف بوكمازي أنّ العالم الرقمي تحوّل إلى قناة شبه أساسية للتعبير، خاصة بعد ترسخ “الخوف” من الاحتجاج الميداني عقب تجارب اجتماعية سابقة ترافقت مع اعتقالات أو تضييق.
وأشار المتحدث إلى أنّ جزء من الأزمة يعود إلى ما وصفه بـ“اختيار الدولة” خلال السنوات الماضية، والمتمثل في إضعاف الفعل الحزبي والمؤسسات المنتخبة لصالح قنوات أخرى لا تمر عبر صناديق الاقتراع. هذا التوجه—بحسبه—ساهم في خلق انطباع بأنّ الشأن العام يُدار خارج الآليات الديمقراطية، ما أدى إلى تراجع ثقة المواطنين، خصوصاً الشباب، واعتبار العمل السياسي مجالاً مشبوهاً أو غير ذي جدوى.
وبخصوص محدودية انخراط الشباب في الأحزاب السياسية، أوضح بوكمازي أن الإشكال لايكمن فقط في العرض الحزبي، بل في تهميش المنظومة الحزبية وإعاقتها عن القيام بأدوارها الدستورية في التمثيل وصياغة القرار، منتقدا سياسات عمومية ثقافية وإعلامية اعتبر أنها ساهمت في صناعة “نموذج شبابي منسحب”، عوض تعزيز قيم المشاركة والمبادرة.
وتوقف القيادي في أمانة حزب العدالة والتنمية عند الحراك الاجتماعي الذي عرفته مناطق عدة خلال الأشهر الأخيرة، ثم حركة شباب جيل “زد” رقمياً وواقعياً، مبرزاً أن هذه الظواهر تؤكد وجود وعي متصاعد بقضايا العدالة الاجتماعية والخدمات الأساسية من صحة وتعليم وفرص عمل، لافتا الانتباه في المقابل إلى أن بعض التجاوزات والعنف التي رافقت بعض الأحداث تبقى ظواهر محدودة لا ينبغي أن تحجب مشروعية المطالب أو تعقّد طريق الإصلاح.
وأكد بوكمازي أنّ استعادة الثقة لن تتحقق إلا عبر تقوية المؤسسات المنتخبة وضمان استقلالية القرار السياسي، حتى يلمس الشباب أنّ أصواتهم قادرة على إحداث أثر، وأن السياسة ليست أداة امتياز، بل وسيلة لتحقيق الصالح العام، مشددا على أن الفاعل السياسي مطالب بامتلاك الجرأة في التشخيص والاقتراح، لا الاكتفاء بالخطاب التبريري.
وأكد بوكمازي على أنّ المغرب يملك فرصة حقيقية لإعادة بناء جسور الثقة بين الشباب والمؤسسات، إذا ما أُعيد الاعتبار للشرعية الانتخابية وللفعل الحزبي باعتباره أساس صناعة القرار، مستدركا أنّ عودة الشباب للمشاركة ضرورة لحماية مستقبل البلاد واستدامة الإصلاح.


