عبدالهادي بودى
شهدت العاصمة الرباط يوم الاثنين، الماضي، 20 أكتوبر 2025 وقفة احتجاجية حاشدة أمام مبنى البرلمان، شارك فيها مئات من حراس الأمن الخاص والعاملات في النظافة والعاملين بالمطاعم المدرسية والداخليات، الذين يشتغلون في وزارة التربية الوطنية، والجامعات، والبنوك، والمستشفيات، والإدارات العمومية.
رفع المشاركون شعارات تطالب بـ“الكرامة قبل الأجرة” و“الاعتراف بالجنود المجهولين”، مؤكدين أنهم يحرسون المؤسسات، وينظفونها، ويطعمون أبناء الوطن، بينما تُهدر حقوقهم في صمت.
■ واقع مرير رغم القوانين
رغم أن المغرب قطع خطوات في تقنين مهنة الأمن الخاص عبر القانون رقم 27.06 والمرسوم الصادر بتاريخ 31 يناير 2019 المنظم للصفقات العمومية، إلا أن تطبيق هذه النصوص بقي شكليًا، كما تؤكد الكاتبة لبنى نجيب في مقالها بجريدة 20 دقيقة سنة 2019، الذي اعتبر أن “القانون يظل حبراً على ورق”، إذ ما تزال الفوضى سمة مميزة للقطاع.
فقد ارتفع عدد شركات الحراسة الخاصة من 120 شركة سنة 2006 إلى أكثر من 5000 شركة اليوم، وهو تضخم غير منضبط أنتج منافسة غير شريفة و“تكالبًا على الصفقات”، كما وصفه عدد من المهنيين، حيث يتم تقديم عروض بأسعار زهيدة تُؤدي ثمنها الفئات العاملة البسيطة من أجورهم الهزيلة وغياب الضمانات الاجتماعية.
■ ساعات عمل بلا حدود وأدوار غير محددة
يؤكد المحتجون أن أغلب حراس الأمن والمنظفات يشتغلون دون تحديد قانوني لساعات العمل، إذ تصل نوبات الحراسة إلى 12 و14 ساعة يوميًا دون تعويض إضافي، مع تكليفهم أحيانًا بمهام خارج اختصاصهم.
أما العاملات في النظافة، فيقمن بأعمال متنوعة وغير محددة تشمل الحراسة، والتنظيف، والمساعدة الإدارية، وحتى مهام في المقاصف والمكاتب، في غياب تام لأي توصيف وظيفي واضح.
■ أجور لا تليق بكرامة الإنسان
تشير شهادات المتضررين إلى أن أجور المنظفات تتراوح بين 500 درهم فقط في بعض المؤسسات التعليمية والصحية، و1500 درهم في أحسن الحالات، وغالبًا ما تُصرف بشكل متأخر لأسابيع أو شهور.
أما حراس الأمن، فتتراوح أجورهم بين 1000 و1800 درهم شهريًا، وفي أحسن الحالات 2600 درهم، رغم طول ساعات العمل وخطورة المهام.
ولا يستفيد أغلبهم من العطل السنوية، أو الأعياد الوطنية والدينية، أو الانخراط في الضمان الاجتماعي، مما يجعلهم يعيشون وضعًا هشًّا لا يتناسب مع الدور الحيوي الذي يقومون به.
■ الطباخون في الداخليات المدرسية.. حرارة المواقد والمعاناة الصامتة.
في خضم هذا المشهد الاجتماعي، يبرز الطباخون والطباخات العاملون في الداخليات المدرسية كفئة أخرى مغيبة عن دائرة الإنصاف والاهتمام.
فهم من يطهون يوميًا آلاف الوجبات لتلاميذ وتلميذات القرى والجبال، في ظروف قاسية داخل مطابخ ضيقة، وبمعدات متقادمة، وأحيانًا دون وسائل السلامة الصحية.
يعمل هؤلاء الطباخون في أغلب الأحيان من السابعة صباحًا إلى العاشرة ليلاً، دون تعويض عن الساعات الإضافية، ودون راحة أسبوعية حقيقية.
أما أجورهم، فتتراوح بين 700 و1200 درهم شهريًا، وهي مبالغ لا تكفي حتى لتغطية مصاريف النقل والمعيشة.
○ يؤكد أحد الطباخين بإحدى الداخليات في الجنوب قائلاً:
“نطبخ لأبناء الوطن وكأننا نطبخ لأبنائنا، لكن أحدًا لا يسأل عنّا. لا تأمين، لا عطلة، ولا تقدير.”
○ وتضيف طباخة من جهة فاس مكناس:
“نقف لساعات أمام النار والدخان، نُحضّر الوجبات في عز البرد والحر، ومع ذلك تُخصم أجورنا لأتفه الأسباب، ولا أحد ينصفنا.”
إن معاناة الطباخين لا تقتصر على ضعف الأجور فقط، بل تمتد إلى غياب أي تكوين مهني أو تغطية اجتماعية أو احترام للحد الأدنى من شروط الصحة والسلامة المهنية.
وهم يطالبون، مثل زملائهم في الأمن والنظافة، بعقود عمل قانونية، وأجور تحفظ الكرامة، وتأمين ضد حوادث الشغل، وإدماجهم ضمن منظومة وزارة التربية الوطنية بدل تركهم رهائن لشركات الوساطة.
■ مطالب مشروعة واستجابة محدودة
تطالب الجمعية الوطنية لحارسات وحراس الأمن الخاص بالمغرب، ومعها هيئات نقابية وجمعوية، بـ:
أ) تحديد عقد عمل موحد يحترم الحد الأدنى للأجر (السميك) وساعات العمل القانونية (8 ساعات يوميًا).
ب) الالتزام بالتصريح بالضمان الاجتماعي لـ26 يومًا كاملة شهريًا.
ج) الاستفادة من العطل القانونية والتعويض عن فقدان الشغل.
د) توفير وسائل العمل اللائقة من لباس ونقل وتأمين ضد الأخطار.
هـ) إحداث معاهد تكوين معتمدة لتأهيل الحراس والمنظفات والطباخين قبل الالتحاق بالعمل.
وتؤكد الجمعية أن وزارة الشغل ووزارة الداخلية فتحتا قنوات حوار أولية بعد مراسلات عديدة، استجابة للتوصيات الملكية بخصوص العدالة الاجتماعية، غير أن الإصلاح ما زال في بدايته، ويتطلب إرادة سياسية قوية لتطبيق القانون على أرض الواقع.
■ مسؤولية مشتركة.
يرى عدد من المراقبين أن المسؤولية تقع على عدة أطراف:
1. الدولة التي يفترض أن تراقب وتمنع الشركات المخالفة.
2. المؤسسات العمومية والخاصة التي تمنح الصفقات بأثمان بخسة دون مراعاة الشروط الاجتماعية.
3. شركات المناولة التي تتهرب من التزاماتها القانونية وتستغل هشاشة العمال.
■ أصوات من الميدان.
○ قال أحد حراس الأمن في الوقفة أمام البرلمان:
“نحرس المدارس والجامعات والمستشفيات ليلاً ونهارًا، لكن لا أحد يحرس حقوقنا. نريد فقط أن نعيش بكرامة.”
○ وقالت عاملة نظافة بجامعة محمد الخامس:
“أشتغل 12 ساعة في اليوم مقابل 1000 درهم في الشهر، وأحيانًا يتأخر الراتب لأسابيع. نحن بشر ولسنا آلات.”
○ وأضاف طباخ داخلي من جهة درعة تافيلالت:
“أطهو طعام التلاميذ منذ عشر سنوات، لكن لم أحصل يوماً على عطلة مدفوعة أو تأمين. تعبنا من التهميش.”
■ هل هناك أمل في التغيير.
ورغم قتامة الواقع، فإن صوت هذه الفئات بدأ يصل إلى الرأي العام والإعلام الوطني، وأصبح يشكل قضية اجتماعية تستوجب الإصلاح.
فإصلاح قطاع الحراسة والنظافة والمطعمة المدرسية ليس فقط مسألة قانونية، بل قضية كرامة وعدالة اجتماعية في بلد يضع الإنسان في صلب التنمية.
إن حراس الأمن والمنظفات والطباخين يحرسون المرافق الحيوية للوطن، وينظفونها، ويطعمون أبناءه، لكنهم في المقابل بحاجة إلى من يحرس حقوقهم.
فالاعتراف بجهودهم والارتقاء بأوضاعهم المهنية والاجتماعية ليس منّة، بل واجب وطني وإنساني.
ويبقى السؤال المطروح، متى سيُعامل من يحرس الوطن… كما يُعامل الوطن نفسه؟


