عبد النبي اعنيكر
لم يكن غياب عبد الإله ابن كيران، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، عن افتتاح المؤتمر الوطني الثاني عشر لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، مساء الجمعة 17 أكتوبر 2025 بمدينة بوزنيقة، مجرد حدث عابر أو قرار بروتوكولي، وإنما شكل، في نظر المتتبعين، موقفًا سياسيًا واضحًا يعكس ثبات “البيجيدي” على نهجه المستقل وتمسكه بخياراته المبدئية في المشهد السياسي الوطني.
ففي وقت حرصت فيه جلّ القيادات الحزبية على الحضور، اختار بنكيران الغياب عن مؤتمر حزبٍ كان إلى عهد قريب يُحسب ضمن صفوف المعارضة، لكنه انحرف ـ بحسب قيادات العدالة والتنمية ـ نحو مواقف أقرب إلى الحكومة منها إلى نبض الشارع وقضايا المواطنين. غياب ابن كيران، بهذا المعنى، لم يكن تقاطعًا مع الدعوة، بل تعبيرًا عن رفض “تجميل” صورة سياسية متناقضة مع واقع الأداء الحزبي في البلاد.
مصدر من داخل العدالة والتنمية أكد أن الحزب لا يتعامل بالرمزيات الفارغة، ولا يسعى إلى حضور شكلي في مشاهد احتفالية لا تعكس روح المعارضة الحقيقية، مشيرًا إلى أن “موقف ابن كيران هو رسالة سياسية بليغة تؤكد أن المعارضة ليست زينة المشهد الديمقراطي، بل مسؤولية أخلاقية تستوجب الوضوح والجرأة”.
ويأتي هذا الموقف في سياق توتر العلاقة بين الحزبين، بعد انسحاب الاتحاد الاشتراكي من التنسيق البرلماني للمعارضة الذي كان يهدف إلى تفعيل ملتمس رقابة ضد حكومة عزيز أخنوش. خطوة وصفها حزب العدالة والتنمية بأنها “طعنة في الظهر”، واعتبرها دليلاً على غياب الالتزام السياسي لدى الاتحاد الاشتراكي، الذي “فضّل حسابات ضيقة على مصلحة الوطن والمواطن”.
ويرى محللون مقربون من العدالة والتنمية أن ابن كيران، المعروف بقدرته على قراءة اللحظة السياسية، أراد من خلال غيابه أن يبعث برسالة مزدوجة: أولا، رفض أي محاولة لتبييض مواقف الاتحاد الاشتراكي بعد تقلباته السياسية، وثانيا، تأكيد أن “البيجيدي” لا يزال صوت المعارضة القوي والمستقل، الذي يرفض الانجرار وراء تحالفات شكلية أو لقاءات رمزية تفتقر للمضمون والمصداقية.
فالعدالة والتنمية، الذي ظل يدافع عن قيم النزاهة والوضوح في الممارسة السياسية، يرى أن التباين في المواقف ليس مشكلة، ما دامت الغاية خدمة الوطن، لكن المشكلة الحقيقية تكمن في التلون السياسي وازدواجية الخطاب، وهو ما يسعى الحزب إلى فضحه ومواجهته بالموقف الثابت والعمل الميداني.
غياب ابن كيران عن مؤتمر الاتحاد الاشتراكي لم يكن غيابًا عن المشهد، وإنما حضورًا من نوع آخر، حضور المبدأ على حساب المجاملة، والرسالة على حساب الصورة. فـ“البيجيدي” يفضل أن يظل صوتًا ناقدًا ومصلحًا، لا جزءًا من مشهد سياسي يسعى بعضه إلى طمس الحدود بين المعارضة والحكومة.
وهكذا، فإن هذا الموقف يعيد التأكيد على أن العدالة والتنمية، بقيادة بنكيران، لا يساوم في وضوحه، ولا يشارك في “مسرحيات سياسية” تُغلف التناقضات بالشعارات. فالمعارضة، كما يراها الحزب، هي التزامٌ بالقيم والمبادئ، والدفاعُ عن الوطن من موقع الصدق والمسؤولية.


