بعد مرور أكثر من عقد على حراك 20 فبراير الذي شكّل علامة فارقة في التاريخ السياسي والاجتماعي للمغرب الحديث، تعود روح الاحتجاج إلى الشارع المغربي، لكن بملامح جديدة يقودها جيل مختلف تمامًا في أدواته ورؤيته للعالم: جيل Z. جيل لم يعش زمن “الربيع العربي” بقدر ما وُلد من رحم تحولات رقمية وثقافية عميقة، لكنه يلتقي مع ذلك الجيل الأول في الجوهر: المطالبة بالكرامة، العدالة، والمحاسبة.
ذاكرة 20 فبراير… وبذور الوعي المدني
حراك 20 فبراير بقدر ما ينثل احتجاجات شبابية آنية، فهو كذلك لحظة تأسيسية لوعي جماعي جديد، حطم الكثير من الطابوهات السياسية والاجتماعية. رفع شباب ذلك الزمن شعارات “حرية، كرامة، عدالة اجتماعية”، وفتحوا باب النقاش حول مفهوم السلطة والمواطنة والمساءلة.
ورغم أن الحراك تراجع تحت ضغط الزمن والتحولات السياسية، إلا أن أثره العميق ظل حاضراً في الذاكرة الوطنية، بل وانتقل، بشكل غير مباشر، إلى جيل لاحق تربى في ظل نتائج تلك التجربة.
جيل Z… الاحتجاج بلغته الخاصة
جيل Z ليس حزباً ولا تنظيماً، فهو موجة وعي رقمية متحررة من الأيديولوجيا. شباب نشأوا في عالم مفتوح على المعلومة، يتحدثون بلغة “الميمات” و”الهاشتاغات”، ويحوّلون الغضب إلى محتوى مؤثر يتجاوز الجغرافيا.
احتجاجاتهم الأخيرة، سواء في الشارع أو على المنصات، تكشف عن وعي مدني جديد يرفض الوصاية، ويسائل السلطة والمجتمع معاً. إنهم لا يرفعون شعارات كلاسيكية، بل يعبّرون بلغة تجمع بين السخرية والجرأة، بين الوعي السياسي والحس الإنساني.
الاختلاف في الشكل… والاستمرار في المضمون
ما يميز حراك 20 فبراير أنه كان منظمًا نسبياً ويستند إلى دعم سياسي من أطياف متعددة، أما حراك جيل Z فهو عابر للأحزاب، لا مركزي، ولا يقبل التأطير الكلاسيكي.
لكن خلف هذا الاختلاف الشكلي، ثمة خيط ناظم واضح، السخط على التفاوت الاجتماعي، وغياب العدالة المجالية، وتآكل الثقة في المؤسسات.
جيل Z لم يخرج ليكرر شعارات الماضي، بل ليؤكد أن الأسباب التي دفعت شباب 20 فبراير إلى الشارع لم تُحل بعد، بل ربما تفاقمت بفعل أزمات اقتصادية واجتماعية متراكمة.
من الشارع إلى الفضاء الرقمي… نفس المعركة بأدوات جديدة
بينما كانت ساحات المدن الكبرى هي مسرح 20 فبراير، فإن جيل Z جعل من الفضاء الرقمي ساحة رئيسية للجدال والنقاش، وأحيانًا للتنظيم غير المعلن.
الهواتف الذكية تحولت إلى منابر للتعبئة والتأثير، والهاشتاغات أصبحت بمثابة بيانات سياسية عابرة للحدود. إنها ثورة بلا قيادات، لكنها تملك زخماً جماعياً لا يمكن تجاهله.
الرسالة المستمرة
سواء تعلق الأمر بشباب 2011 أو شباب 2025، تبقى الرسالة واحدة، أن الإصلاح ليس ترفاً، وأن صوت الشباب ليس تهديداً بل طاقة بناء.
إن تجاهل هذه الأصوات أو اختزالها في مجرد “فورة عابرة” خطأ استراتيجي، لأن التاريخ أثبت أن التغيير يبدأ دائماً من الأسئلة التي يطرحها الشباب، لا من الإجابات الجاهزة التي تقدمها السلطة.


