تعيش الزاوية القادرية البودشيشية، إحدى أعرق الزوايا الصوفية في المغرب والعالم، نقاشًا محتدمًا منذ وفاة الشيخ مولاي جمال الدين قدس الله سره، يتعلق بمسألة المشيخة والقيادة الروحية. ويتصدر هذا الجدل اسما نجليه: سيدي منير وسيدي معاذ، في مشهد يختزل صراعًا بين شرعية تستند إلى الوصايا والإجماع العائلي، وأخرى قائمة على دعم محدود.
أنصار سيدي منير يؤكدون أن المشيخة محسومة لصالحه استنادًا إلى وصايا مكتوبة من والده الشيخ جمال الدين، ومن جده الشيخ سيدي حمزة، ومن الشيخ سيدي الحاج العباس، تمت قراءتها في أكثر من مناسبة، فضلًا عن شهادات فقراء موثوقين تثبت صحتها. كما يحظى بدعم واسع من العائلة البودشيشية الصغيرة، بما في ذلك والدته للا فتحية، وعماته، وأخواه سيدي محمد وسيدي مراد. وبرزت مكانته أيضًا في ليلة الأربعين للشيخ جمال الدين، حيث استجاب المريدون والمريدات لدعوة والدته، إلى جانب رصيده العلمي والدعوي داخل المغرب وخارجه، خاصة في أوروبا.
في المقابل، يطرح اسم سيدي معاذ، الابن الأصغر للشيخ جمال الدين، كخيار آخر رغم غياب وصايا مكتوبة أو تزكيات عائلية مباشرة لصالحه. ويستند أنصاره إلى شهادات محدودة ومقاطع فيديو متداولة، بينما يفتقر إلى رصيد علمي أو دعوي بارز، إذ اقتصر دوره في السابق على مهام تنظيمية مثل الإشراف المالي على الزاوية ومسؤولية الفرقة الوطنية للسماع. ومع ذلك، يحظى بدعم وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية وعدد محدود من المريدين، دون أن يحوز تأييد العائلة الصغيرة.
وبينما يتسلح أنصار سيدي منير بالوثائق المكتوبة والإجماع العائلي والرأسمال العلمي والروحي، يراهن أنصار سيدي معاذ على شرعية بديلة قائمة على دعم رسمي محدود وأقوال فردية.
إلى حين حسم المشيخة بشكل نهائي، يظل المشهد داخل الزاوية القادرية البودشيشية مفتوحًا على احتمالات متعددة، تعكس جدلية القيادة الروحية بين الامتداد التقليدي المستند إلى الوصايا، والبحث عن شرعية بديلة في ظل غياب التوافق الشامل.