عرف موسم طانطان في نسخته الثامنة عشرة مقاطعة غير مسبوقة من طرف فئات واسعة من ساكنة الإقليم، في تعبير ميداني واضح عن التذمر الشعبي من اختلالات متراكمة تطال تدبير الشأن العام، وسط شعور جماعي بأن التظاهرة تحولت إلى واجهة شكلية تُغيب هموم الناس الحقيقية وتستنزف المال العام في زمن الأزمات.
جريدة “الجنوب بريس”، التي قامت باستطلاع ميداني طيلة أيام الموسم، رصدت عزوفًا لافتًا عن مختلف فقرات البرنامج، من ساحة السلم والتسامح وساحة النافورة التي احتضنت السهرات، إلى الكرنفال والمعارض التقليدية والفلاحية. وقد أظهر هذا العمل الصحفي الميداني، المدعوم بمقارنات بصرية بين النسخ السابقة ونسخة هذه السنة، حجم الفارق الكبير في الإقبال الجماهيري، خصوصًا من طرف المكون الصحراوي الذي قاربت نسبة مقاطعته 73 في المئة، ما أفرغ الموسم من روحه وعمقه الثقافي، وفق تعبير متطابق لعدد من المستجوبين.
ورغم تعبئة الحافلات المجانية وتحفيز العاملات والقبائل، فإن الزخم الجماهيري بساحة السلم والتسامح شهد تراجعًا حادًا بنسبة بلغت 50 في المئة، في مؤشر واضح على أن الموسم لم ينجح في استمالة الجمهور المحلي، الذي ظل يعتبره فاقدًا للشرعية الرمزية والتمثيلية. وتحدثت الجريدة إلى عدد من الفاعلين الاجتماعيين الذين أجمعوا على أن الموسم أصبح رمزًا لهدر المال العام، في وقت تتفاقم فيه مشاكل الصحة والفقر والبطالة وتراجع الخدمات الأساسية.
السهرات الفنية لم تشذ عن قاعدة العزوف، إذ لم تتعد نسبة الحضور 36 في المئة مقارنة بالنسخة السابقة، وتركز الحضور في فئة القاصرين والنساء، بينما لم تستقطب السهرات في مجملها سوى حوالي 1900 شخص، تضاعف عددهم ثلاث مرات فقط خلال سهرة الفنان عبد العزيز الستاتي، في مفارقة تعكس غياب الاهتمام بالمحتوى الثقافي والفني لباقي العروض.
أما كرنفال الموسم، فقد مرّ في أجواء باهتة، وغاب عنه الجمهور الحقيقي، حيث اقتصر الحضور على أهالي المشاركين الذين قدموا بدافع مشاهدة أبنائهم أو أبناء الجيران، ما يعكس غياب حماس الساكنة تجاه حدث يفترض أن يكون عنوانًا للفخر الجماعي بالتراث اللامادي.
ورغم محاولات مؤسسة موسم طانطان تجاوز مظاهر المقاطعة، فإن الرسالة وصلت بوضوح إلى الضيوف والسلطات والجهات المنظمة. المقاطعة الهادئة، التي تجاوب معها أغلب السكان، لم تكن وليدة اللحظة، بل جاءت نتيجة حملة تحسيسية دشنها الإعلام المحلي المهني منذ شهور، وحظيت بتفاعل لافت في أوساط الرأي العام الطنطاوي.
وهكذا، تُكرّس هذه النسخة من موسم طانطان قناعة راسخة لدى ساكنة الإقليم بأن التظاهرة لم تعد تمثلهم، بل أضحت شاهدًا على غياب رؤية تنموية مندمجة تراعي التوازن بين الثقافة والاقتصاد والتقاليد والتنمية المستدامة. مقاطعة صامتة… لكنها صاخبة في دلالاتها ورسائلها.


