بوجمع بوتوميت
انتخاباتنا وسؤال المصداقية
تعتبر الانتخابات أبرز آلية من آليات المشاركة السياسية المتعارف عليها للتعبير عن الإرادة الحقيقية للمواطنين، ومن ثم ترجمة اختياراتهم في التغيير عن طريق من يختارونه لتمثيلهم وفق ما يطرحه من برامج تعبر عن وجهة نظر الحزب أو الجهة المرشحة في تسييرها للشأن المحلي، وسعيها لتحقيق انتظارات الناخبين، هذا بالنسبة للبلدان الديموقراطية التي تحترم إرادة شعوبها، أما في بلدنا فيكاد يجزم الجميع أن كل المظاهر التي يراد لها أن تعبر عن وجود شيء اسمه الديموقراطية أو الانتخابات النزيهة ما هي إلا شعارات للاستهلاك الخارجي والتمويه الداخلي، ولعل هذا ما يبرر النسبة المرتفعة للمقاطعين لهذه اللعبة التي أثبتت تجربة ما يزيد عن 40 سنة أن لا مصداقية لها لأنها لم تعبر ولو ليوم واحد في تاريخ المغرب عن إرادة حقيقية للناخب المغربي حتى وإن تعلق الأمر بـ(التصويت) على “الإصلاحات” المزعومة للدستور الممنوح حيث تتدخل سلطات الوصاية بكل الأشكال بما فيها الدعاية الإعلامية المحمومة التي تسبق يوم التصويت بإيحاءات من قبيل (نعم للدستور في إصلاح دستور 1996)، أو في الانتخابات التشريعية والجماعية عبر تجنيد جيش من الأشخاص والهيئات والجمعيات الرسمية لإعطاء انطباع أن هذه الانتخابات ستشكل الخلاص النهائي للمغاربة من كل الويلات السابقة ويفاجأ الجميع ببقاء دار لقمان على حالها، حيث تحتفظ نفس الوجوه بكراسيها تحت مسميات وأحزاب جديدة في أحسن الأحوال ويبقى الخاسر الأكبر دائما هو شعب يعيش ضحية لعب ومؤامرة الكبار من الساسة وأعيان المال والنفوذ والسلطة والجاه أو هي بعبارة أخرى لعبة المخزن بشتى تجلياته (المخزن السياسي، المخزن الاقتصادي)، ولكثرة ما تم إفراغ هذه الانتخابات من محتواها أصبحت غير ذات مصداقية فقاطعها الشعب بنسبة 80./. في الانتخابات التشريعية، ولم يكترث لها في انتخابات الجماعية 12 يونيو 2009 إذ لم تصل المشاركة إلا إلى نسبة 33./. حسب المراقبين 1 ، خلافا للرواية الرسمية لوزارة الداخلية – وهي رواية ضعيفة السند – التي حصرت العدد في 51./. رغم الأموال الطائلة التي دعم بها المخزن مؤسسات وجمعيات تم تأسيسها خصيصا لتعبئة الشعب في اتجاه المشاركة المكثفة لإعطاء انطباع مغشوش إزاء ما سماها بمرحلة (الخلاص الاستثنائية) في تاريخ المغرب المعاصر.
هل لنسبة المشاركة دلالات ومحاسبة؟
بقراءتنا لنتائج الانتخابات الجماعية الأخيرة على مستوى الجهات والمناطق فإنه لولا العالم القروي الذي يعرف نسبة أمية مرتفعة إضافة إلى حظوة أعوان السلطة من مقدمين وشيوخ بهيبة مخزنية مؤثرة في المشهد السياسي ولها مختلف آليات الضغط للتأثير على إرادة الناخبين ولولا الأقاليم الصحراوية حيث تنشط ثلاثية: السلطة والقبيلة والمال في توجيه إرادة الناخبين لكانت نسبة المشاركة أقل بكثير مما هو حاصل.
ليست المشاركة التي أراد لها المخزن أن تكون مرتفعة خاصة في أقاليم الصحراء دليل إيمان بجدوى العملية الانتخابية بالبلد ولاهي دليل موقف إيجابي من الوحدة الترابية كما صرحت بذلك وزارة الداخلية، فمن العيب أن تموه علينا وزارتنا المحترمة عبر سياسة النعامة التي تدفن رأسها في الرمال مخافة أن ترى خطر الحقائق الصادمة المحدقة بها، إذ لو كان كذلك لما احتجنا إلى كل الإجراءات الدولية السابقة من مسلسل الاستفتاء وتحديد الهوية إلى مشروع الحكم الذاتي والمفاوضات المباشرة بين أطراف النزاع وغيرها. ثم لمن نوجه هذا الخطاب ومن سيصدقه، هل هي الهيئات الدولية الراعية للحوار والتي تعرف حالنا جيدا أم هو الشعب الذي يعلم جيدا أخطاء الدولة القاتلة في هذا الملف وفشل مختلف المقاربات المعتمدة طيلة أزيد من ربع قرن من الزمان والتي كان العنوان الأبرز لها هو الهاجس الأمني وتحييد القضية من التداول العام لكونها قضية مقدسات وإقصاء الشعب من معرفة تفاصيل تطورها. إن المقاربة الحقيقية الكفيلة بفض النزاع هي المدخل الديمقراطي وفسح الحريات الجماعية والفردية وطرح الملف للنقاش الوطني الموسع والصريح وإشراك الشعب عموما وساكنة هذه الأقاليم خصوصا في صياغة الاستراتيجيات واقتراح الحلول لقضية تعنيهم فغيبوا عنها قسرا، إضافة إلى المدخل التنموي الاجتماعي وأداء الحقوق عبر التوزيع العادل لثروات البلاد التي يحتكرها قلة من التجار بأزمات وآلام الشعوب ممن لا يعنيهم أي حل بقدر ما يهمهم تنمية ثرواتهم، إن التفسير الأوحد لارتفاع نسبة المشاركة في أقاليم الصحراء حسب رأينا هو تحكم ثلاث آليات للتأثير على إرادة الناخبين بل لمسخها, ولا يمكن معها وبعدها أن نتحدث عن أي مكسب سياسي من وراء الانتخابات بهذه الأقاليم سوى مظهرا آخر من مظاهر الفشل والعجز عن تحقيق ديمقراطية تحترم نفسها وشعبها. وعلى هذا الأساس يمكن أن نرصد تحكم هذه الثلاثية في صياغة مشهد سياسي مرغوب فيه من قبل الدولة على مستوى تدبير المجالس المنتخبة من خلال المحاور التالية:
1/ السلطة وتحكمها في صياغة الخريطة السياسية
يكاد يكون تحكم السلطة في صياغة الخريطة السياسية للبلديات والجماعات عبر التقطيع الانتخابي للدوائر وما يحمله من خلفية إضعاف الخصوم وتقوية الموالين، وتوجيهها لرأي شريحة هامة من المواطنين عبر آليتي الترهيب والترغيب خاصة في العالم القروي والمدن الصغرى شرط لازم للانتخابات بالمغرب، وإذا أضفنا إلى ذلك ما يسمى بالحياد السلبي للإدارة إزاء مختلف الخروقات في جميع مراحل العملية الانتخابية، بدءا بالتسجيل في اللوائح وإنزال أفواج من الناخبين من خارج هذه الأقاليم ليقرروا مصيرها عوض أن يقرر أهلها، والتسجيل بعدة دوائر لنفس الأشخاص والتصويت المزدوج لفائدة نفس المرشح أو لمرشحين في نفس الوقت دون أن تبدي الإدارة أي تصرف يذكر خاصة وهي التي تحصي أنفاس المواطنين والجمعيات وهيئات المجتمع المدني عبر أجهزتها وأعوانها إن تعلق الأمر بمن لا ترضى عنه بسبب آرائه واختياراته السياسية والاجتماعية المخالفة لوجهة نظرها فهل تخفاها خافية الانتخابات. وقد بلغت نسبة الإنزالات بمدينة آسا وحدها 2600 وافد على المدينة حسب تقريري فرع الجمعية المغربية لحقوق الإنسان حول انتخابات 2009 2 . بل إنه تم إنزال أفواج من المرشحين من خارج أرض الوطن كما وقع بجماعة أسرير التابعة لإقليم كلميم وهو ما أكده بيان الساكنة تحت عنوان: “من أجل تخليق العمل السياسي” 3 الذي تم نشره في الإعلام الإلكتروني أثناء فترة الحملة الانتخابية. ومن أوجه تأثير السلطة على الانتخابات صمتها إزاء ابتزاز عدد من المواطنين عن طريق استغلال النفوذ من قبل أعوان ورجال السلطة والتهديد بالحرمان من الاستفادة من بطائق الإنعاش الوطني لعدد من الأسر الفقيرة بأقاليم الصحراء خاصة وأن التسجيل للاستفادة من هذه الإعانات تم وضعه رهن إشارة المنتخبين.
2/ القبلية عامل مهم في صياغة التحالفات
تتميز الانتخابات بالأقاليم الصحراوية بحكم التشيكلات القبلية لهذه الأخيرة بأنها لا تخضع لمنطق الانتماء الحزبي بحيث لم يثبت أن كان المواطن يوما بهذه الأقاليم يصوت من منطلق القناعة بالبرنامج الحزبي لأنه لا وجود لأحزاب بهذه المناطق وإنما أعيان قبلية تبحث عن تزكيات حزبية لخوض غمار الحملة الانتخابية وانتهى الأمر وموعدنا في الحملة الانتخابية المقبلة ليظهر نفس المرشح بانتماء حزبي آخر غالبا، وقد سايرت الأحزاب هذا المعطى فأصبحت لحصد مزيد من المقاعد تبحث لها عن أعيان من أصحاب (الشكاير)على حساب منخرطيها ومناضليها، إذ نكاد نجزم من خلال متابعتنا للشأن المحلي بأنه لم يسلم أي حزب من هذه الحقيقة الدامغة، ليظهر تضخم الأعيان المحليين على حساب الحزب التقليدي والمرشح الحزبي الذي يحمل عقيدة حزبية ومبادئ وتوجهات واختيارات في العمل السياسي، وعوض أن نجد تحالفات حزبية برنامجية أصبحنا نجد تحالفات قبلية بغطاء حزبي، منطق نكاد لا نجد له تجليات واضحة إلا في أقاليم الصحراء بحكم خصوصيتها حيث يريد المخزن للقبلية أن تنشط بشكل فعال في فترة الانتخابات، وتتحكم التحالفات القبلية عوض التحالفات السياسية والحزبية، وإجمالا يمكن القول بأن المنطق الأساس المتحكم في العملية الانتخابية بهذه الأقاليم هو منطق تحكم الأعيان القبليين ويتم استحضار الغطاء الحزبي فقط لأنه يؤهل لولوج العمل السياسي المشروع ويمكن من تدبير المؤسسات المنتخبة. لكن السؤال المطروح لمصلحة من يتم التخلي عن توجهات الحزب لإنجاح تحالف قبلي معين؟ وأمام هذا الوضع الغير مصنف في عملنا السياسي ما هو موقف أحزابنا العتيدة وبم نفسر صمتها عن مرشحيها. معادلة طبعا تبدو صعبة في مشهدنا السياسي نتمنى من زعماء أحزابنا أن يفسروها لنا وإلا فإنك (ما دمت في المغرب فلا تستغرب) كما قال ابن ابن خلدون رحمه الله.
3/ المال السياسي أحد أهم مؤثثات المشهد السياسي
تكاد تكون ظاهرة المال السياسي في مختلف مراحل العملية الانتخابية السمة المشتركة الأبرز في كل الجهات والأقاليم، إلا أن حضورها في جهة الصحراء له طعم آخر، يحكمه المنطق الدارجي (اعلى عينك ابنعدي) تحت مرأى ومسمع من الجميع، وبذريعة خصوصية المنطقة ووضعها الحساس لا مكان لشيء اسمه المراقبة أو المحاسبة، إذ يبرز هذا المعطى بشكل واضح خلال فترة الحملة الانتخابية التي بلغ الصوت الواحد فيها إلى حوالي 5000 درهم كحد أقصى في الساعات الأخيرة من يوم التصويت ببعض المناطق الصحراوية، أما إن تحدثنا عن تشكيلة المجالس الجماعية والإقليمية فإن ثمن الصوت الواحد يحدد بملايين السنتيمات وهي القاعدة التي نكاد نجزم أنه لم يسلم منها أي مجلس جماعي إلا استثناءات -والاستثناء شذوذ لا يقاس عليه-، ولعل أبرز تجل من تجليات حضور المال السياسي في صياغة التحالفات وشراء المجالس المنتخبة بهذه الأقاليم، هو بروز ظاهرة شيكات الضمانة بدون رصيد بمبالغ خيالية لانتزاع وعود بالتصويت لصالح مرشح معين والتي وصلت إلى حد النزاع القضائي لدى المحاكم، وهو الأمر الذي تمت مواكبة ومتابعة جزء منه من قبل بعض الجرائد الوطنية في تقارير صحفية أو من خلال تصريحات بعض أعضاء المجالس المنتخبة، والتي كشفت عن مبالغ ضخمة بملايين السنتيمات كلفها الوصول إلى رئاسة المجالس الإقليمية ببعض الأقاليم 4 . 5
وأخـيــرا
عملية انتخابية هذه سماتها، ومشهد سياسي تحكمه قواعد أخرى لا صلة لها بالمؤسسات السياسية الدستورية من أحزاب وجمعيات مجتمع مدني، وحياد سلبي للإدارة يبلغ إلى درجة التواطؤ والتماهي مع المزورين لإرادة الناخبين في بعض المواقع، وصمت مطبق ومباركة للوضع من قبل أحزاب أخذت على نفسها أمانة تخليق الحياة السياسية وتأطير المواطنين في اتجاه التغيير إلى ما يصلح أوضاعهم السياسية والاجتماعية بحكم مسؤولياتها الدستورية، في ظل هذا الوضع لا يمكن أن نتحدث عن مشاركة سياسية فاعلة ولا عن مؤسسات دستورية تحظى بالتمثيل الحقيقي للمواطنين ومن ثمة فلا حرية ولا ديمقراطية ولا تغيير وإنما هو تكريس لنفس الأعطاب وأوجه الاختلالات التي يعاني منها بلدنا إلى أن يأذن الله بفرج من عنده