كشف مقطع فيديو نُشر على قناة “الصحفي حميد المهداوي” الإعلامية الشهيرة على اليوتيوب، والتي تُعدّ منصّةً رائدةً في نقل القضايا المجتمعية بالمغرب بحسبانيةٍ نقديةٍ وجماهيريةٍ واسعة، عن تفاصيل صدامٍ مؤسسيٍّ غير مسبوق بين رئيسة جهة كلميم واد نون المُنتخبة والوالي المعيّن. الواقعة، التي أثارت تفاعلاً واسعاً على منصّات التواصل الاجتماعي، سلّطت الضوء على إشكالية عميقة في علاقة المؤسسات المنتخبة بالإدارة الترابية، ما يُعيد النقاش حول حدود الصلاحيات وضرورة حماية الاستقلالية الديمقراطية.
خلفية الأزمة: من تعديل الجدول إلى تعطيل المشاريع
وفقاً للفيديو المُفصّل، بدأت التوترات عندما حاول الوالي فرض تعديلاتٍ مفاجئةٍ على جدول أعمال جلسة عمومية للمجلس الجهوي، دون تنسيقٍ مسبقٍ مع رئيسة الجهة. واصفةً هذا التحرك بأنه “تجاوزٌ صارخٌ للصلاحيات”، علّقت الرئيسة خلال الجلسة: “نحن هنا بإرادة الناخبين، ولن نسمح بتهميش صوتهم عبر قراراتٍ فرديةٍ تُفرض من الخارج”.
لم تتوقف الخلافات عند هذا الحد، بل امتدّت إلى ملفّات تنموية حيوية، أبرزها مشروعٌ يهدف إلى تحسين البنية التحتية الصحية في قرى الجهة النائية. وأشار الفيديو إلى أن الوالي عارض المشروع بدعوى “عدم توافقه مع أولويات الحكومة المركزية”، دون تقديم مبرّراتٍ تفصيلية. وهو ما اعتبره أعضاء المجلس “تعنتاً إدارياً يُكرّس التهميش”، وفقاً لتصريح نائبٍ طالب بعدم الكشف عن اسمه.
السياق الأوسع: وصاية إدارية أم شرعية انتخابية؟
تُعتبر هذه التوترات حلقةً جديدةً في سلسلة صراعاتٍ تشهدها عدة جهات مغربية بين المنتخبين والمعيّنين. فمنذ تفعيل الجهوية المتقدمة عام 2015، تشكو العديد من المجالس من “تدخلاتٍ تعيق تنفيذ البرامج التنموية”، كما يوضح الخبير السياسي عمر الزرهوني في تعليقه للقناة: “الوالي يمثّل السلطة المركزية، لكن دوره يجب أن يكون داعماً للمؤسسات المحلية، لا مُقيّداً لها”.
من جهةٍ أخرى، يرى محللون إداريون أن “الاختصاصات المتداخلة بين الجهازين تُفاقم الإشكالية”، خاصةً في ظل غموض النصوص القانونية التي تنظّم العلاقة بينهما. وأضافت سلمى التوزاني، أستاذة القانون العام: “غياب آلياتٍ واضحةٍ لتسوية النزاعات يُحوّل الخلافات إلى أزماتٍ علنيةٍ تُضعف ثقة المواطن في العملية الديمقراطية”.
ردود الفعل: بين تأييد الشارع وتحفّظ النخب
أثار الفيديو تفاعلاً كبيراً في أوساط نشطاء وسكّان الجهة، حيث غطّت وسمات مثل #كلميم_تريد_حلو#وقف_الوصاية trends المغرب لساعات. عبّر العديد من المتابعين عن دعمهم لرئيسة الجهة، معتبرين موقفها “دفاعاً عن إرادة الناخبين”. في المقابل، طالب آخرون بـ”حلٍّ توافقيٍّ يضمن تحقيق المصلحة العامة دون تصعيد”.
صراعٌ يعكس إشكاليةً هيكلية
لا تُختزل أزمة كلميم واد نون في مجرّد خلافٍ شخصي، بل هي انعكاسٌ لإشكاليةٍ هيكليةٍ في نموذج الحكم المحلي المغربي. فبينما تُصرّ المؤسسات المنتخبة على شرعيتها الشعبية، تُحاول الإدارة الترابية الحفاظ على هيمنة المركز. وفي ظلّ غياب إطارٍ قانونيٍ فاصل، تبقى هذه التوترات قابلةً للتفجّر في أي لحظة، ما يُهدّد استقرار التنمية المحلية ومكتسبات الجهوية.
السؤال الأكبر الآن: هل ستكون هذه الواقعة دافعاً لإصلاحاتٍ جريئةٍ تُعيد التوازن بين الصلاحيات، أم أنها مجرّد حلقةٍ في مسلسل الصراع بين “الإرادتين”: إرادة الصناديق وإرادة التعيينات؟