في مشهد يثير القلق حول واقع الحريات الإعلامية في المغرب، تتعرض الصحافة بجهة كلميم وادنون لمحاولات تكميم غير مسبوقة، تقودها رئيسة الجهة وأغلبيتها المسيرة. ففي الوقت الذي يُفترض أن يكون الإعلام شريكًا أساسيًا في تعزيز الشفافية والمحاسبة، أصبح مستهدفًا بأساليب متنوعة، تراوحت بين التهميش، والضغط، وصولًا إلى التضييق الممنهج.
إعلام ممنوع من حقه في المعلومة
من المبادئ الأساسية لأي نظام ديمقراطي هو تمكين الإعلام من الولوج إلى المعلومة، لكن في جهة كلميم وادنون، يبدو أن هذه القاعدة غير مرحب بها. الصحفيون يجدون أنفسهم أمام إدارة ترفض تمكينهم من المعطيات حول تدبير الشأن العام، واللقاءات الرسمية تُعقد خلف الأبواب المغلقة دون تمثيلية إعلامية حقيقية. حتى الجلسات العلنية للمجلس الجهوي، التي من المفترض أن تكون متاحة أمام الصحافة والمواطنين، تتحول إلى مناسبات لاستعراض السيطرة وفرض الهيمنة السياسية على الخطاب الإعلامي.
الانتقائية في التعامل مع الصحافة
الجهة لم تكتفِ بالتضييق على الإعلام الحر، بل باتت تعتمد نهجًا انتقائيًا في التعامل مع المنابر الإعلامية، حيث يتم التفاعل فقط مع وسائل الإعلام التي تقدم صورة إيجابية عن المجلس الجهوي، بينما يتم تهميش الأصوات الناقدة والتشكيك في مهنيتها. هذا الوضع يكرس مفهوم “الإعلام الموالي”، ويُفرغ الصحافة من دورها الحقيقي في نقل الحقيقة وكشف التجاوزات.
الترهيب بدل الحوار
لم تقف الأمور عند حدود الإقصاء، بل وصل الأمر إلى توجيه تهديدات مبطنة لبعض الصحفيين، أو ممارسة ضغوط غير مباشرة عليهم عبر التضييق على مصادر دخلهم، وحرمانهم من الإعلانات والتمويلات التي تمنح لبعض وسائل الإعلام كوسيلة لكسب الولاء. بل إن بعض الصحفيين وجدوا أنفسهم في مواجهة حملات تشهير منظمة، يقودها محسوبون على الجهة بهدف تشويه صورتهم أمام الرأي العام.
موت الإعلام يعني فسادًا مستشريًا
وأد الإعلام ليس مجرد إجراء ضد الصحافة، بل هو تكريس لنظام لا يؤمن بالمحاسبة والشفافية. كلما تم إسكات الأصوات الحرة، كلما زادت التجاوزات في تدبير المال العام، واستفحلت مظاهر الزبونية والمحسوبية. في غياب الرقابة الإعلامية، تصبح أبواب الفساد مشرعة أمام المتلاعبين بالصفقات العمومية، وأمام التسيير العشوائي الذي يفتقر لأدنى معايير الحكامة الجيدة.
الإعلام الحر باقٍ رغم التضييق
رغم كل هذه المحاولات، يظل الإعلام الحر في كلميم وادنون صامدًا، مستندًا إلى دوره الدستوري في تنوير الرأي العام، وكشف ما يجري وراء الكواليس. فالقمع قد يُسكت الصحافة لبعض الوقت، لكنه لن يوقف نبض الحقيقة، لأن المجتمع اليوم أكثر وعيًا وقدرة على التمييز بين الواقع والدعاية المصطنعة.
إن محاربة الإعلام المستقل في الجهة ليست سوى مؤشر على أزمة في تدبير الشأن العام، وغياب للرغبة في التواصل الفعّال مع المواطنين. والأكيد أن هذه الأساليب لن تزيد سوى من فقدان الثقة في المؤسسات، وهو ما سيدفع الرأي العام إلى البحث عن بدائل إعلامية حقيقية، قادرة على كسر حاجز الصمت المفروض من قبل سلطة تخشى الحقيقة أكثر مما تخشى الفشل.