إن المتتبع لمشكل ترسب الرمال عند المدخل البحري لميناء طانطان، يتطلب إستقراء ذوي الخبرة ممن عايشوا المشكل منذ بداية الأشغال، بالميناء مع نهاية سبعينيات القرن الماضي،
مرورا بأشغال الشطر الثاني أواسط الثمانينات، ونهاية بالشطر الثالث مع نهاية القرن،
ويعثبر الإعلامي المخضرم (محمد وعلي) من الأقلام المستفردة والحصرية،التي طبعت تاريخ ميناء طانطان في الذاكرة المغربية، نظرا لمعايشته لكافة مراحل وأطوار بناء هذا الميناء، المتمركز في مدينة طانطان جنوب المملكة المغربية، إذ يعثبر في رأيي الوحيد الذي يحمل في ذاكرته، هذا الزخم الوافر من المعلومات عن التاريخ المنسي لميناء طانطان، وهو يستحق منا الشكر الجزيل عن هذا العمل الصحفي الجليل .
تم الشروع في تشييد ميناء طانطان، بعدما قام مكتب الدراسات الفرنسي “سوكريا”، المتخصص في المجال المينائي بدراسة امتدت لسنوات، وكان الهدف منها هو تحديد الموقع الأمثل للمنشأة البحرية، والوجهة التي ستتخذها البوابة البحرية، هذه الدراسة التي إقترحت عدة مواقع، وقد حذرت هذه الدراسة من ترسب الرمال عند الحواجز البحرية التي سيتم إنشاؤها، التي مصدرها مجموعة من الأنهار التي تصب في المحيط، إنطلاقا من أغادير وإلى مصب وادي درعة، و التي تصب حمولتها من التساقطات بما فيها من أوحال ورمال و غيرها، وبما أن الرمال لا تتحلل في الماء فإن التيارات تجرها نحو الجنوب، لتترسب كلما وجدت حاجزا فتُكَوِّن بذلك شطآنا رملية، ورغم كل التحديرات إستقر قرار مديرية الموانئ و الملك العمومي البحري، التابعة لوزارة الأشغال العمومية (التجهيز و النقل و اللوجستيك حاليا)، على أن يتم تشييد الميناء في موقعه الحالي، مع أخد الكلفة المالية بعين الإعتبار.
مع بداية العمل بالميناء بعد الزيارة الملكية لإقليم طانطان سنة 1985، تبين للجميع بأن مشكل الرمال مشكل حقيقي، الأمر الذي إستلزم صفقة ثانية همت الزيادة في العمق بالحوض البحري، تجنبا لجنوح البواخر والسفن التي كانت تستعمل الميناء، إلا أن الصفقة لم تف بالمطلوب نظرا لعدم نجاعتها، مما إستلزم دراسة قامت بها “سوكريا ” مرة أخرى، وكان من نتائجها إضافة حاجز بحري بطول 750 مترا، وإزالة الصخور من أمام البوابة البحرية لتجد الرمال مكانا لها، لمدة قد تصل إلى عشرين سنة قبل جرفها و بيعها إن إقتضى الحال .
و بناء على الدراسة دبرت الدولة الأموال الضرورية، عن طريق قرض من الصندوق العربي للتنمية، بقيمة إجمالية قدرها 200 مليون درهما، وتم الإعلان عن الصفقة التي شاركت فيها إلى جانب إحدى المقاولات المغربية، شركات أجنبية ذات خبرة بالموانئ، و كانت المفاجأة هي فوز الشركة المغربية بالصفقة بعد عرض ب198.200.000 درهما، وهو رقم لا يبتعد كثيرا عن الرقم السري، الذي إفترضته مديرية الموانئ و الملك العمومي البحري، والذي لم يكن يعرفه إلا الوزير وإثنين من الأطر السامية بالوزارة، بينما فاقت العروض الأخرى كلها ضعف هذا الرقم .
وإبتدأت الأشغال بشكل عادي في الحاجز البحري سنة 1998، إلى أن تم إنجاز ما يناهز 700 متر من الحاجز، لتبدأ المشاكل مع الوصول إلى العمق، مما إستحال معه التقدم وسط البحر، لأن الأمواج كانت تحطم ليلا ما يتم تشييده بالنهار، إضافة إلى هذا تبين بأن عملية إزالة الصخور، تستلزم معدات يتم إستئجارها من الخارج، يكلف نقلها لوحده الملايير إضافة إلى عمليات الحفر و استعمال المتفجرات، مما سيكلف الشركة المغربية مبلغ مرة و نصف الصفقة، في عملية إزالة الصخور لوحدها، وهذا ما يهدد الشركة بالإفلاس والمشروع بالتوقف، كما بيَّن هذا المشكل بأن المقاولات الأجنبية كانت حساباتها دقيقة، وأن تطابق أرقام المقاولة المغربية وأرقام صاحب المشروع، تثير الكثير من الشكوك حول إمكانية تسربها من الوزارة إلى المقاولة، وبصيغة أخرى فإنه من الممكن أن تكون الشركة، قد حصلت على الأرقام السرية عوض إجراء دراسة ستكلفها كثيرا .
وقعت الشركة و الدولة معها في ورطة، ولم يكن من الممكن ترك المقاولة المغربية و شأنها تواجه المجهول، سيما وأنها الوحيدة في بلادنا التي تقوم بتشييد الموانئ، حيث تمت دراسة مستعجلة من طرف أحد مكاتب الدراسات المقرب من الدولة، والتي أسفرت عن أمور تعاكس ما خرجت به دراسة “سوكريا”، مفادها أن أشغال إزالة الصخور غير ضرورية، و أن الحاجز البحري يجب أن يتوقف عند 700 مترا .
وهو الأمر الذي راق للمقاولة المنفذة للمشروع التي أوقفت الحاجز عند 700 مترا، وحولت الباقية إلى الجهة الجنوبية، حيث شيدت حاجزا أمام بوابة الميناء بطول 50 مترا، وبدون دراسة ولإسكات بعض الأصوات قامت بترميم بعض مرافق الميناء، كما عبدت شارعي الشباب وإبن خلدون بمدينة طانطان، وعبدت طرقا بمدن أخرى بالجهة، و طوي الملف بشكل نهائي .
وفي أواسط سنة 1998 طرح سؤال في الموضوع، على وزير التجهيز في حكومة التناوب الأولى، من طرف رئيس إحدى الفرق البرلمانية بمجلس النواب، الذي هو السيد المسعودي العياشي، النائب عن إقليم تاونات والمنتمي لفريق التجديد والتقدم، و كان جواب الوزير هو أن الصفقة التي كلفت عشرين مليارا، ستجنب وزارته من أعمال الجرف لمدة عشرين سنة والتي كانت تكلف حسب الوزير آنذاك ثمانية ملايين درهما .
وبناء على هاته المعطيات فإن قطاعا حكوميا، هو الذي يتحمل مسؤولية ترسب الرمال ببوابة ميناء طانطان، وأن الوكالة لما تسلمت أمور الملك العمومي البحري، وأصبحت تتحمل عبء الجرف و مشاكل البوابة، وجدت المشكل قائما كما سبق وفسرنا ذلك في بداية المقال .
المرشد البحري